لم يكن أحد يتوقع، حتى الذين يتمتعون بأكثر الخيالات جموحا، أن يعيد مشهد عابر من مسلسل تركي واقعة تاريخية مضى عليها أكثر من 500 سنة، لتصيب بعض شظاياها رئيس الوزراء التركي الحالي، طيب رجب أردوغان، وتُحدث جدلا اجتماعيا وسياسيا واسعا في بلاد الأناضول. مشهد تمثيلي في آخر حلقة من الجزء الرابع من مسلسل "حريم السلطان" التركي، وهو النسخة المدبلجة إلى العربية من مسلسل "القرن العظيم التاريخي والعاطفي، بدا فيه السلطان سليمان القانوني (1494 1566 ) وهو يُعدم ابنه الأمير مصطفى، أثار سجالا وردود فعل واسعة النطاق داخل وخارج تركيا. وتوزعت الآراء إزاء المشهد الذي يُعدم فيه السلطان سليمان ابنه، بإيحاء من زوجة أبيه السلطانة "هيام" بعد أن أقنعته بخطورة تصرفات ابنه على عرشه واستقرار مملكته، بين مؤيدين لما حدث، ورافضين لما بدر من السلطان التركي، فيما آخرون ربطوا هذا الواقعة بما يحدث حاليا في تركيا من جدل بخصوص الفساد السياسي والإداري. المؤيدون لحادثة قتل السلطان لابنه الأمير، جراء سلوكاته التي رأى أنها اتسمت بالانحراف والفساد، استندوا في موقفهم المناصر إلى أن هذا الفعل كان ضروريا من أجل الحفاظ على لُحمة العرش التركي واستقرار البلاد، واصفين ما صدر من السلطان التركي شجاعة خلدها التاريخ. وبالمقابل وجد الرافضون لواقعة قتل السلطان سليمان لابنه أن مسلسل "حريم السلطان" أظهر أجدادهم الأتراك بصورة سلبية ومعيبة أمام العالم، وبأن هذا المسلسل التاريخي "مُضلل"، كما أن مشهد قتل الأمير "شوه سمعة العثمانيين". ولم يقف الجدل عند هذا الحد، بل انطلق الهمز واللمز، ولو من باب التلميحات الساخرة التي تشير إلى ضرورة أن يأخذ أردوغان العبرة من حادثة قتل السلطان سليمان لابنه الأمير، والتي صورها المسلسل التركي في حلقته الأخيرة من الجزء الرابع، حتى يُبادر إلى إجراء حازم ضد ابنه "بلال" في قضية الفساد الأخيرة من أجل استقرار البلاد. مشهد قتل عاشر سلاطين الدولة العثمانية لابنه مصطفى، أفضى إلى جلبة اجتماعية وشعبية غير مسبوقة، فالمؤيدون لتصرف السلطان أقبلوا بكثافة على قبره الذي دفن فيه، بعد أن توفي في شتنبر 1566 ميلادية جراء سقوطه من أعلى حصانه، في محاولة من الحنين إلى عهد هذا السلطان الذي شهدت الدولة في عهده توسعا وتطورا كبيرين. ومقابل هذا الإقبال على قبر الوالد، تهاطلت أفواج الزوار من المتعاطفين مع الأمير المقتول على قبره في مدينة "بورصا"، وهو ما دفع والي المدينة على إجراء ترميم وتوسعة للضريح من أجل استيعاب العدد الكبير الذي يفد على قبر الأمير للترحم عليه. مشهد إعداد الأمير لم يُحدث كل هذا الجدل اجتماعيا وسياسيا فحسب، بل أصابت "لعنته" حتى من جسد شخصية السلطان سليمان، وهو الممثل التركي المعروف "خالد أرغنش"، حيث تعرض لأزمة نفسية بُعيد انتهائه من دوره في مشهد إعدام ابنه الأكبر، إذ تأثر بلحظة الوفاة تلك، وتخيل أن ما حدث حقيقة بالفعل"، وفق ما أوردته تقارير إعلامية تركية.