كان "غياب عرض سكني في المناطق الجبلية والقروية" و"الشروط التعجيزية للدعم المباشر السكن"، بمثابة "ثغرات" ركزت عليها مختلف مداخلات نواب أحزاب المعارضة خلال جلسة عمومية للأسئلة الشفهيّة الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة بمجلس النواب، الاثنين، لتهدّ المعطيات التي تقدم بها هذا الأخير منتشيا داخل القبة وهو يعرض "سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية المجالية الاجتماعية". "جهوية متقدمة" الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية كان أول من تناول الكلمة من أحزاب المعارضة، وأوردت نائبته عائشة الكرجي أنه "بعد مرور أكثر من نصف ولايتها، ظلت الحكومة حبيسة الرؤية القطاعية التي لم تساعدها على خلق التحول الذي ينشده المغاربة في مجال السياسة الإسكانية"، مبرزة أن "السكن لم يرد أصلا ضمن الأولويات الحكومية الواردة في الالتزامات العشرة". وقالت الكرجي إن "الأغلبية الحكومية لم تف بوعودها الانتخابية الحالمة ولم تنفذ التزامها اليتيم المتعلق باعتماد استراتيجية بديلة أو مكملة في مجال الإسكان وإعداد التراب"، معتبرة أن "ما يؤكد هذا الحديث هو محدودية تنفيذ الحكومة لأول قانون مالية اعتمدته برسم سنة 2022′′، إذ "من خلال دراسة نفقات الميزانية العامة بحسب القطاعات الوزارية والمؤسساتية، يتبين أن التوقعات النهائية لنفقات الميزانية العامة الخاصة بقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير لم تتجاوز 1190.64 مليون درهم". وأضافت النائبة البرلمانية أن "الواقع المغربي لا يرتفع أمام شعار الدولة الاجتماعية التي تلوح به الحكومة دوما. الواقع يعاند ليكشف غياب العدالة الاجتماعية بين وسط حضري يحظى بالاهتمام ومجالات مهمشة في العالم القروي والمناطق الجبلية والقصور والواحات، كما يبرز غياب العدالة الاجتماعية نتيجة تهميش الفئات الفقيرة وتعقد المساطر الإدارية وتفاقم العديد من المشاكل من قبيل المساحات الضيقة". وخلصت الكرجي إلى أن "المدخل الإصلاحي الضروري هو سيادة القانون على الجميع"، مضيفة أن "تحقيق الأثر الملموس لأي سياسة تعميرية وإسكانية عادلة ومنصفة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، رهين بالرفع من حكامة الاستثمارات العمومية والتحلي بالجرأة اللازمة للإسراع في تنفيذ الإصلاحات المؤسساتية والجبائية ذات الصلة وتفعيل الجهوية المتقدمة". "الهامش أولاً" محمد أوزين، عن الفريق الحركي، قال إن اختيار السكنى كسياسة قطاعية عمودية "كان سيجعل التقدير إيجابيا لو تم اختيار موضوع إعداد التراب الوطني باعتباره فعلا سياسة عامة بطابعها الأفقي، ما فوق القطاعي"، مؤكدا أن "مناقشة الموضوع تأتي في سياق وطني متميز، يتزامن مع إحياء الذكرى ال25 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، وهو ربع قرن من الإصلاحات البنيوية والهيكلية أسست لمصالحة حقوقية وهوياتية ومجالية واجتماعية واقتصادية ولغوية وبيئية". ولم ينكر الأمين العام ل"السنبلة" أن "إخفاق منظومة السكنى والتعمير هو نتاج حكومات متتالية ومتعاقبة إلى اليوم"، لكنه في الوقت ذاته حمّل الحكومة الحالية مسوؤلية مجموعة من الإشكاليات ومن خلال إثارة جملة من التساؤلات على ضوء "عناوين مثيرة لمقالات ثائرة تناثرت عقب زلزال 8 شتنبر، حين عجزت بيوت القرى على الصمود أمام الهزة الأرضية بالأطلس الكبير لتستوي مع الأرض وتصبح شاهد عصر على تعطل مسلسل التنمية". واعتبر أوزين أن هناك مشكلاً متعلقا ب"السكن المتقهقر والمنازل الآيلة للسقوط، التي تهدد حياة عدد من المواطنين؛ أصبحت حياتهم آيلة للزوال"، مقدما "رقما مرعبا ومزلزلا"، وفق وصفه، يتعلق بكون "أكثر من 700 ألف مواطن يقطنون في منازل مهددة بالانهيار"، متسائلا: "هل أمام هذا الرقم المخيف نحتاج إلى جلسة أو إلى سؤال؟ أين هي مخططات التصدي لهذه الظاهرة المقلقة وطي هذا الملف؟ وكيف سيتم إيقاف هذا النزيف بعيدا عن الارتجال وعن الحلول الآيلة للاضمحلال؟". وشدد المتحدث على أهمية "التوازن بين تنمية الإنسان وتنمية المجال"، مسجلا في الكلمة نفسها أن "117 ألف أسرة لم تستفد من برنامج مدن بدون صفيح"، لافتا إلى ضرورة "تبسيط مسطرة البناء في العالم القروي وإحداث وكالة قروية للتعمير ومواكبة مشاريع تعمير وتنمية المراكز الصاعدة في العالم القروي وتثمين الخصوصية الثقافية في البناء"، وزاد: "المناطق النائية ظلت خارج كل برامج دعم السكن". "قطاع معقد" رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أقر بأن حزبه يدرك جيداً "تحديات" السكنى بحكم تدبيره سابقا (من طرف نبيل بنعبد الله) لفترة، وقال: "نجحنا في بعض الأمور وتركنا وراءنا بعض النقائص، وهذا هو قدر كل مسؤول؛ فالإنجاز ينبني على التراكم والتواضع، وهو الذي يجب أن يسود في تقييم أي حصيلة عوض اتهام الماضي بالسواد المطلق أو الادعاء بإنجاز كل شيء". وأضاف حموني وهو يحاول "تقطير الشمع" على الحكومة التي تُتّهم بأنها "تلقي جميع العثرات في ملعب حكومات سابقة"، أنه "لا يجب لأي حزب أن يتحجج بالماضي لكونه كان مشاركا فيه، باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة، فهو له الحق أن ينتقد"، موردا أن "الحكومة إذا نجحت في ملفات، فالنتيجة جماعية. وإذا أخفقت، فهو أيضا جماعي؛ فلا يمكن أن ننجح في قطاع دون آخر. وردّا على رئيس الحكومي الذي قال إن "61 مدينة مغربية أصبحت بدون صفيح بفضل اعتماد مقاربة منسجمة"، قال رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب إن ذلك ليس شيئا حصريا للحكومة، بل هو "نتيجة للتراكم في معالجة الملف"، مشددا على أن "العمل لم يبدأ سنة 2021، والإصلاح لن ينتهي في 2026. وهناك إكراهات تفوق المسؤولين". وأكد حموني على التعاطي مع التعمير والسكنى على أنه "استراتيجي اقتصاديا واجتماعيا"، لأن "توفير السكن اللائق للمواطن يوجد في قلب المسألة الاجتماعية، لأن السكنى مفهوم أشمل يرتبط بسياسة المدينة"، مسجلا أن الدولة حققت نجاحا ما، لكن هناك ثغرات ونقائص وسلبيات مثل تعبئة أو تصفية الأوعية العقارية ونقص المواكبة الاجتماعية والمرفقية، ويظل الولوج إلى التمويل والقروض بالنسبة للأسر المستضعفة أكبر التحديات. "مغالطات رسمية؟" عبد الصمد حيكر، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، ركز على انتقاد رئيس الحكومة، مسجلا أنه "لم يتحدث عن الالتزامات الواردة في البرنامج، وهذا دليل آخر على أن الجهاز الحكومي لا يحترم البرلمان"، منتقلا ل"التركة الثقيلة"، معتبرا أن "رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، كان عضوا في الحكومتين السابقتين، وكانت هناك برامج هامة صرفت عليها نحو 200 مليار، كبرنامج تقليص الفوارق المجالية"، ليتساءل: "ما هي نتيجته؟". وملمّحا إلى أن الحصيلة "لا شيء"، تسلّح حيكر باستنتاجات مؤسسات دستورية أكدت أن التفاوتات المجالية والإشكاليات في الولوج إلى الخدمات الأساسية مازالت متواصلة، ومن نتائجها تهديد الاستقرار الاجتماعي والحد من النمو الاقتصادي، منتقلا كذلك إلى مخطط المغرب الأخضر، ليقول: "زلزال الحوز جاء ليعري إشرافكم على البرنامجين معا". وللتشكيك في أرقام الحكومة، ذكر المتحدث أن "برنامج مدن بدون صفيح انطلق سنة 2004، وحصيلة 61 مدينة بدون صفيح تم الإعلان عنها قبل مجيء هذه الحكومة، ما يعني أن الحصيلة في القضاء على دور الصفيح في عهد الحكومة الحالية هي صفر"، لافتا في السياق ذاته إلى برامج تأهيل المدن العتيقة، قائلا: "ليست هناك إضافة، بل تدبير ما تقرر سابقا وما تم الشروع فيه سابقا".