تعتبر العطلة الصيفية مناسبة مثلى لأخذ قسط من الراحة والترويح عن النفس بعد سنة من الدراسة والتحصيل بالنسبة للتلاميذ، وضغوط وعناء العمل والأعباء العديدة بالنسبة للأمهات والآباء. وتفضل العديد من الأسر الفاسية قضاء جزء من العطلة الصيفية خارج العاصمة العلمية، ولاسيما بالفضاءات الشاطئية والأماكن المخصصة للاستجمام بمختلف أنحاء المملكة، بالنظر إلى الارتفاع الملحوظ و"المفرط أحيانا" في درجات الحرارة وعدم توفر فاس على أي واجهة بحرية. ورغم تواجد عدد من المسابح وفضاءات الاستجمام بمدينة فاس ونواحيها، لاسيما المملوكة للقطاع الخاص، فإن جزءا كبيرا من الأسر الفاسية تختار الوجهات الشاطئية بشمال وشرق المملكة على الخصوص، نظرا لعامل القرب، لقضاء العطلة الصيفية رفقة أبنائها والاستمتاع بزرقة البحر والرمال الساحرة والمناظر الرائعة. من جهة أخرى، يفضل بعض الفاسيين الفضاءات والمناطق الجبلية التي تتميز بمياهها العذبة ومناظرها الطبيعية الخلابة وهواها النقي، وتجد ضالتها في هذه الوجهات المتميزة، سواء المتواجدة على مستوى جهة فاس – مكناس (إفران وتازة وتيمحضيت، وغيرها) أو بجهات ومناطق أخرى بالمملكة. وارتباطا بتوجهات وميولات الأسر الفاسية خلال العطلة الصيفية أكد نور الدين المصوري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، أن "ثقافة العطلة" أصبحت عرفا سائدا لدى الفاسيين في السنوات الأخيرة، وأصبحوا يخططون لها بشكل مسبق من حيث الوجهة ومدة السفر، بل يمتد النقاش ليشمل الميزانية المخصصة للرحلة ومصاريفها الإجمالية. وأوضح الأستاذ المصوري، وهو أيضا منسق شعبة علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، أن الملاحظ أن الفاسيين ذوي الدخل المحدود أصبحوا أيضا يولون أهمية كبيرة للعطلة، ويسعون جاهدين إلى عدم تفويت الفرصة، وربما الاستعانة بقروض معينة لتوفير ميزانية السفر وتميكن أبنائهم من الاستجمام والترويح عن النفس. ويرى الباحث ذاته أن العامل المادي يشكل عاملا حاسما ومحددا رئيسيا في اختيار وجهة السفر ومدته، إذ تختار جل الأسر، لاسيما المنتمية للفئة المتوسطة، اكتراء شقق أو منازل بالمدن المتواجدة بالوجهات الشاطئية، بينما تفضل بعض الأسر "الميسورة" قضاء العطلة بوجهات سياحية خارج أرض الوطن، أو بفنادق مصنفة داخل أرض الوطن، تقترح شروطا متميزة للراحة والاستجمام وخدمات متنوعة للزبائن. وبالنظر إلى طول مدة العطلة فإنه يتعين استثمارها، إلى جانب الراحة والترفيه والاستجمام والترويح عن النفس، في أنشطة وفعاليات أخرى لا تقل أهمية وتعود بالنفع العميم على الآباء والأبناء على وجه الخصوص. وفي هذا السياق أكد الأستاذ المصوري أنه يتعين على الأسر الحرص على استغلال العطلة الصيفية واستثمارها بنوع من الذكاء والتوزيع المنطقي والمفيد لحيزها الزمني، من خلال تشجيع أبنائها على مطالعة وقراءة الكتب للاستزادة من المعرفة وتطوير حسهم الإبداعي، وتعلم اللغات الحية، وتعلم السباحة والمشاركة في المسابقات الثقافية، وممارسة الأنشطة الرياضية التي تعود بالنفع على صحتهم وأجسامهم. وأشاد الباحث السوسيولوجي بحرص العديد من الأسر الفاسية على تسجيل أبنائها وبناتها بالمخيمات الصيفية التي تنظمها بعض الجمعيات المهتمة بالطفولة والشباب في إطار عدة مراحل على امتداد فصل الصيف، تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الشباب)، بمجموعة من فضاءات ومراكز التخييم المتواجدة بمختلف ربوع المملكة. وأبرز المتحدث ذاته أن هذه المخيمات، سواء المقامة بالفضاءات الشاطئية أو الجبلية، تكتسي أهمية بالغة في تعزيز مهارات ومدارك الأطفال وتقوية وصقل ملكاتهم ومواهبهم الإبداعية، على اعتبار أنها تمزج بين الترفيه والاستجمام والترويح عن النفس وبين الجانب التربوي والتعليمي والرياضي، من خلال اقتراح برامج وأنشطة طموحة ومميزة. ولم يفت الأستاذ المصوري التأكيد على أهمية استثمار حيز من العطلة في برامج الدعم والتقوية الدراسية لدعم الأطفال في مختلف المواد الدراسية، ومراجعة دروس السنة السابقة والاستعداد الأمثل لدروس السنة الموالية. والأكيد أن العطلة الصيفية مناسبة مثلى للاستراحة من ضغوط وعناء سنة كاملة، وتعلم مهارات ومعارف ومدارك جديدة، واستجماع القوى والطاقة للانطلاق بنشاط وحيوية أكبر في السنة المقبلة.