موازاة مع احتفاء أكاديمية المملكة بالذكرى الثانية والخمسين للعلاقات المغربية الإماراتية أكد أكاديميون وباحثون في العلوم السياسية والدراسات الاستشرافية والجيوسياسية، مغاربة وإماراتيون، على "أهمية وفرادة العلاقات بين الرباطوأبوظبي، التي استمرت في التطور والازدهار طيلة خمسة عقود ماضية، خصوصا في عهديْ محمد السادس ومحمد بن زايد". المتدخلون الذين تحدثوا خلال جلستين علميتين اثنين تَلَتَا الجلسة الافتتاحية التي حضرها شخصيا السفير الإماراتي بالمغرب، سعيد العصري الظاهري، حاولوا الإشارة بالتفصيل إلى مظاهر التطور الذي عرفته العلاقات بين البلدين، مع بسط "معالم قوتها ومساهمتها في ضمان السلم بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". ونوه الباحثون أنفسهم ب"مرور العلاقات بين المغرب والإمارات العربية المتحدة إلى مرحلة الشراكات الإستراتيجية التي تدعم التنمية واستدامة الموارد، خصوصا في ظل التقلبات الجيوسياسية بالعالم، وتقلب المناخ كذلك، واستمرار النزاع بالمنطقة"، لافتين إلى "الأهمية السياسية والدبلوماسية لخيار السلام الذي يدفع به الطرفان". الكتبي: علاقاتٌ تدعم السلام ابتسام الكتبي، رئيسة "مركز الإمارات للسياسات"، أكدت على "تاريخانية العلاقات المغربية الإماراتية التي تجاوزت اليوم خمسين سنة، وعرفت النور على يد الراحلين الحسن الثاني والشيخ زايد"، مشيرة إلى أن "قدم هذه العلاقات دائما ما ينعكس إيجابا على الروابط الشعبية بين الإماراتيين والمغاربة، خصوصا أن الأمر يتعلق بتبادل مصالح ومواجهة تحديات مشتركة". وأكدت الكتبي ضمن كلمة لها أن "من أبرز أشكال التفاهم بين البلدين على المستوى الإستراتيجي والأمني أن الرباط تدعم حق أبوظبي في جزرها المحتلة من قبل إيران، في حين أن أبوظبي تناصر دائما مغربية الصحراء، فقد لجأت مؤخرا إلى افتتاح قنصلية هناك"، موردة أن "الإمارات تريد الحفاظ على مصداقيتها بالمنطقة، خصوصا إن كان الأمر يتعلق بشريك إستراتيجي كالمغرب". وتابعت المتحدثة: "التعاون المغربي الإماراتي هو تعاون مهم في منطقة مليئة بالتوترات، لعل أبرزها الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما ابتغت اتفاقية أبراهام القطع معه عبر الوصول إلى مرحلة السلام القطعي، إذ إن الإمارات كدولة تعتمد نموذجا دبلوماسيا متسامحا ومتعايشا ولا يمكنها أن تشتغل ضمن مناخ مليء بالتوترات والمشاكل"، معتبرة أن "المهم هنا هو تصفير مشاكل المنطقة؛ الأمر الذي يتناسب مع السياسة الخارجية للإمارات". وأبرزت الخبيرة الإستراتيجية الإماراتية أن "أبوظبيوالرباط يمكنهما أن تلعبا دورا مهما في حل القضية الفلسطينية على أساس إقامة دولة فلسطينية، إذ إن النموذجين المغربي والإماراتي يبقيان مهمين، خصوصا إن استحضرنا التصور التعايشي للإمارات وعراقة المملكة كذلك كدولة تعرف استقرار مستمرا"، واصفة الشراكة بين البلدين ب"الإستراتيجية". الرزرازي: ماضٍ ومصير مشترك من منطلقه كأستاذ في إدارة الأزمات والدراسات الإستراتيجية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات قال مصطفى الرزرازي إن "تحليل العلاقة البينية بين المغرب والإمارات يقتضي النظر إليها بشكل متدرج، من خلال استحضار ما يصل إلى 6 محطات تقريبا مرت منها الشراكة بين أبوظبيوالرباط؛ من دعم الوحدة الترابية إلى تبادل الكفاءات ومواجهة المد الإرهابي والشيعي كذلك، ثم إلى مرحلة الشراكات المتنوعة الكبرى". وأكد الرزرازي، ضمن كلمته المعنونة ب"التصور الإستراتيجي الاستشرافي في المغرب والإمارات لتحقيق الأمن والتنمية المستدامة"، أن البلدين سالفي الذكر "خاضا في وقت سابق معركة مشتركة من أجل بناء الوحدة الترابية عبر تطوير إستراتيجية أمنية مشتركة، ودعم الاستقرار السياسي عبر دعم الحكومات المحلية، قبل أن يكون هناك تشارك في الدفاع عن المنطقة خلال فترة الأزمات والتقلبات السياسية التي عرفتها في ما سبق". ولفت المتحدث ذاته إلى أن تعاون البلدين ظهر بشكل جلي خلال حرب أكتوبر وأزمة النفط 1974 والثورة الإيرانية، والحرب على العراق والحرب الأهلية الأفغانية، وتدبير فترة أحداث 11 سبتمبر والربيع العربي، وفترة سقوط أنظمة بالمنطقة"، موردا أن "هذه المظاهر توجت في ما سبق بالتشارك الثنائي من أجل بناء الإقلاع الاقتصادي والتصدي للراديكالية وإنعاش قيم التسامح بما يتماشى مع الرؤية التنموية للبلدين". وعاد الرزرازي ليشير إلى كلا البلدين "لديهما طموح تنموي متقارب، وهو ما تؤكده النماذج التنموية وأسقفها الزمنية لدى كل طرف، إذ إن هناك تباحثا نحو تطوير التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والتنمية المستدامة عبر الاستثمار في الرأسمال البشري والاعتماد على التكنولوجيات". باهرون: التعاون يحقق التنمية محمد باهرون، المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة، أفاد من جهته بأن "العلاقة بين دولة محسوبة على الخليج ودولة ثانية مطلة على المحيط الأطلسي أمر مميز، لكونه يبرز الفرص التي يوفرها كل طرف للآخر"، مردفا: "المغرب ينفتح على أوروبا وإفريقيا والامارات تنفتح على السوق الآسيوية التي تمثل جانبا مهما من التجارة العالمية". وأبرز باهرون، ضمن كلمته المعنونة ب"من المحيط الأطلسي إلى الإيندوباسيفيك نحو أجندة ارتباط عالمية"، مدى "أهمية التعاون بين الرباطوأبوظبي خلال الفترة الراهنة، خصوصا في مجالات الطاقة والاستدامة، لاسيما أن المملكة تبقى بوابة العالم على إفريقيا التي تعرف عددا من المشاكل اليوم، خصوصا المناخية بفعل التصحر والتعرية؛ فيما تحلية مياه البحر اليوم واحدة من أبرز وسائل النجاة". وتابع المتحدث ذاته: "مجال الطاقة هو من أبرز العناصر التي تشملها الشراكة المغربية الإماراتية، خاصة أن صندوق أبوظبي للتنمية ساهم بموارده لتمويل مشاريع بحوالي 18 دولة في ما يتعلق بمشاريع الزراعة وتحلية المياه تحديدا، يليهما الانخراط الإماراتي في الاستثمار في تطوير خطوط النقل القاري والاقتصاد الأخضر؛ على أن نتعاون مع المغرب خلال المرحلة المقبلة في مجالات الرقمنة والذكاء الاصطناعي". مستمرا في بسط إيجابيات التعاون المغربي الإماراتي خلال أزيد من 5 عقود لفت مدير مركز دبي لبحوث السياسات العامة إلى أن "البلَدين مدعوان إلى تعزيز شراكتهما في ما يتعلق بالجانب الدبلوماسي التفاوضي بخصوص قضايا القارة الإفريقية، التي تعيش على سبيل المثال عددا من المشاكل المرتبطة أساسا بالسياسة وتحويل العلاقة الثنائية إلى علاقة إقليمية وخارجية".