أحد رواد الفكاهة في المغرب، ورمز من رموزها الكبار، فنان جمع بين الموهبة وبشاشة الوجه، نقش اسمه في الذاكرة المغربية بحروف من ذهب، وقدم أعمالا خالدة ومشوارا فنيا استثنائيا طبعته نجاحات تخلدها الأجيال، ابن مدينة الدارالبيضاء التي ترعرع بين دروبها وصدحت موهبته بين شوارعها ومسارحها، فاحتضنت بداية نجم مغربي وممثل موهوب امتد مساره لأزيد من أربعة عقود كانت حافلة بالعطاء؛ إنه فقيد الساحة الفنية المغربية مصطفى الداسوكين. ولد مصطفى الداسوكين بدرب السلطان بالدارالبيضاء، حيث عاش اليتم وهو طفل لا يتجاوز السابعة من عمره بعد فقدان والده، ونشأ عشق المسرح لديه بعد التحاقه بالمخيمات التي كان يشرف عليها الفرنسيون، حيث قدم أولى أدواره في مسرحية لموليير. دخل الراحل عالم الفن أول مرة من خلال فرقة بوشعيب البيضاوي، ثم فرقة "الأخوة العربية" لمؤسسها الفنان الراحل عبد العظيم الشناوي؛ وشهدت سنة 1963 انطلاقته الحقيقية، فبعد أن كان موظفا بالبريد التقى بابن حيه الممثل مصطفى الزعري، وكونا معا ثنائيا فكاهيا حمل اسم "الداسوكين والزعري". وحرص الممثل المغربي على التكوين الأكاديمي، إذ حصل على دبلوم في مجال الدراما موازاة مع مشاركته مع مجموعة من الفرقة المسرحية، مثل فرقة "العهد الجديد" للراحل عبد القادر البدوي، ثم فرقة "الفنانين المتحدين" لمحمد الخلفي. وأشرف الداسوكين رفقة الفنان مصطفى الزعري على تكوين الأطفال بخيرية عين الشق، وقاما بالموازاة مع ذلك بتطوير الثنائية التي شكلاها لينجحا في صناعة واحد من أشهر الثنائيات الكوميدية في المغرب بعد الاستقلال، ويطبعا الذاكرة الثقافية المغربية، ليتألقا بعد ذلك في عدد مهم من الأعمال التي جمعا من خلالها بين المسرح والسينما والتلفزيون. سنة 1967 قدم الفقيد كشكولا فكاهيا مع الراحل الحبيب القدميري للتلفزيون بعنوان "رينكو ودجينكو"، تميز بحبكة وتيمة كوميدية لفتت المغاربة، ما جعل الملك الراحل الحسن الثاني يهاتفهما بعدما شاهد ذلك مباشرة على شاشة التلفاز، ويشيد بما قدماه. وحظي الداسوكين طيلة مساره بعدد مهم من التكريمات التي جاءت اعترافا بمكانته في الساحة الفنية المغربية، أبرزها توشيحه من طرف الملك محمد السادس بوسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط كبير، الأمر الذي أثلج صدره آنذاك، ليتوارى بعد سنوات عن الأنظار ويغيب عن الأعمال التلفزيونية. الممثل ومقدم البرامج مراد العشابي قال إن الراحل كان يفضل الانزواء في بيته بالحي المحمدي، وكان يراه بشكل أسبوعي فيفرح كل مرة باللقاء و"التقشاب"، خصوصا بمقهاه المفضلة "أكواب" بالحي نفسه، مضيفا أن بابه ظل مفتوحا في وجه زواره وبعض أصدقائه. وتابع العشابي، في تصريح لهسبريس، بأنه كان يستعد مع الراحل لتقديم عرض فني مشترك ببلجيكا في إطار جولة فنية بتنسيق مع جمعية "هوريزون" التي يرأسها عبد العزيز عدي، وجهزا كل الأوراق وجوازات السفر، لكن قدر الله كان له قرار آخر. وواصل المتحدث ذاته: "كان الراحل مصطفى الداسوكين يتميز بسخرية هائلة وبقدرة هائلة على أن يقول للمخطئ أخطأت وللمصيب أصبت، دون أن يلقي بالا لردود الفعل الناجمة عن صراحته وميله الطبيعي إلى 'تنقيط' ذكاء مخاطبيه، وكان يرفض بشدة أن تنشر الصحافة أخبار انتكاسة صحته حتى لا يعتقد أحد أنه يتوسل دعما أو مساندة من أصدقائه القدامى أو الجدد. كان رجلا شهما مكافحا وفنانا بمعنى الكلمة، وتتوزع مواهبه بين المسرح والتلفزيون والسينما وفن المونولوغ، وكان قوي الإخلاص للميدان ويرفض الظهور في الأعمال المعروضة عليه لمجرد الظهور رغم الإغراءات المادية". وبتأثر شديد وصف العشابي زميله وصديقه بالكنز الفتي والظاهرة المسرحية المتفردة، والذي شكلت وفاته "صدمة حقيقية وخسارة كبيرة للمشهد الثقافي المغربي والعربي، وكذلك للكتاب المسرحيين الذين يعرفون قيمة رجل من حجم المرحوم مصطفى الداسوكين". من جهتها قالت الممثلة المغربية بدرية عطالله التي جمعتها بالراحل الداسوكين مسرحية "عرس دليلة"، وكانت آخر إطلالة له فوق الركح، إنها تعزي كل زملائها وزميلاتها في هذا المصاب الجلل، كما تعزي جميع أبناء وأسرة الفنان القدير والرائد في الفن المغربي. وتابعت المتحدثة ذاتها بأن شهادتها مجروحة في حق الفقيد الذي كبرت وترعرعت معه ومع إنتاجاته الفنية منذ الطفولة، مشيرة إلى أنه طالما متع الجمهور في جميع أدواره التي كانت ناجحة بامتياز. وأبرزت بدرية أن تجربتها مع الممثل المغربي فوق الخشبة كانت ممتعة، بحيث كانت الابتسامة لا تفارق محياه، وكانت آخر أعماله المسرحية "الدق تم" و"عرس دليلة" للمخرجة هاجر الجندي، مضيفة أنه فنان سيظل راسخا في ذاكرتها الخاصة وذاكرة جمهوره الذي أحبه كثيرا منذ بداية المشوار إلى نهايته. .