هيمن دونالد ترامب، الخميس، بكثير من الثقة على أول مناظرة تلفزيونية في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية في مواجهة جو بايدن الذي تعثر في الكلام ولو كان هجوميا في المضمون. وبعدما طالب هو نفسه بهذه المواجهة مع سلفه الجمهوري في مثل هذا الوقت المبكر من الحملة، ضيّع الرئيس الديمقراطي، البالغ 81 عاما، فرصة أساسية لطمأنة ملايين الأميركيين الذين تابعوا المناظرة عبر التلفزيون بشأن حالته الصحية والذهنية. وبدا بايدن أكثر من مرة متلعثما ومرتبكا في الكلام. أما ترامب، البالغ 78 عاما، الذي أدين جنائيا في نهاية ماي، ففرض أسلوبه ونبرته مضاعفا المبالغات والأكاذيب، لا سيما بشأن الهجرة، بدون أي تدخل من صحافيّي شبكة "سي إن إن" اللذين كانا يشرفان على الحدث. وفي موقف ملفت، لم يتعهد الرئيس السابق الذي لم يعترف يوما بهزيمته أمام بايدن في انتخابات 2020، باحترام نتيجة الاستحقاق المقبل في الخامس من نوفمبر. كما نفى مرة جديدة أي مسؤولية له في الهجوم الذي شنه أنصاره على الكونغرس في واشنطن في 6 يناير 2021. وفي المسائل الدولية، اتهم ترامب خصمه ب"عدم مساعدة إسرائيل على إنجاز المهمة في قطاع غزة". وفي وقت يواجه بايدن انتقادات من قسم من قاعدته الديمقراطية يأخذ عليه دعمه لإسرائيل، قال ترامب: "هو لا يريد القيام بذلك. أصبح أشبه بفلسطيني، لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطيني سيء جدا، فلسطيني ضعيف"، وفق تعبيره. "كارثة بلا شك" تناول الخصمان مطولا مسائل جوهرية مثل التضخم والهجرة ودعم أوكرانيا. وشن بايدن بصوت أجشّ، أوضح فريقه أنه ناجم عن إصابته بنزلة برد، هجوما على ترامب حول موضوع حساس بالنسبة لمنافسه، آخذا عليه عمله "الفظيع" ضد الحق في الإجهاض. كما اتهم ترامب ب"الكذب" بتأكيده أن الهجرة غير القانونية تتسبب في ارتفاع نسبة الجرائم. لكن الحقيقة أنه منذ أن دخلت حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية عهد التلفزيون قبل ستين عاما مع المناظرة بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون، بات الشكل بأهمية الجوهر. وبعد إنهاء المناظرة، قال بايدن لدى توقفه في مطعم في جورجيا: "أعتقد أننا كنّا جيّدين"، مؤكدا أنه "من الصعب المناقشة أمام كاذب". غير أن استطلاعا للرأي أجرته "سي إن إن" لدى مشاهدين أظهر أن ثلثي المستطلعين اعتبروا أن ترامب ربح المواجهة. وفور انتهاء المناظرة، انتشرت في الصحافة ردود الفعل الهلعة والدعوات إلى الانسحاب من ديمقراطيين لم يكشفوا هوياتهم. وأقرت كايت بيدينغفيلد، مديرة العلاقات العامة السابقة لبايدن، بأن "أداء (الرئيس) خلال المناظرة كان مخيبا للأمل حقا، ليس هناك طريقة أخرى لقول ذلك"، في تعليق لشبكة "سي إن إن" بعد انتهاء المناظرة. واعتبر الخبير السياسي لاري ساباتو، متحدثا لوكالة فرانس برس: "كانت هذه كارثة بلا أي شك". وفي محاولة لمعالجة الأزمة، اعترفت نائبة الرئيس كامالا هاريس بأن بايدن كان "بطيئا في البداية" لكنه، برأيها، "أنهاها بقوة". منعطف في الحملة وهبت الجمهورية نيكي هايلي، التي نافست ترامب في الانتخابات التمهيدية والتي يسعى الطرفان لاستمالة ناخبيها، إلى حد الإشارة إلى أن بايدن لن يكون "مرشح الديمقراطيين في الانتخابات"، وحضت معسكره على "لزوم الحذر". غير أن سيناريو اختيار مرشح آخر يبقى في الواقع مستبعدا تماما، ومن المتوقع ما لم تحصل مفاجأة كبرى أن يعين الحزب الديمقراطي رسميا بايدن مرشحا له للرئاسة عند عقد مؤتمره في شيكاغو في منتصف غشت. ولا شكّ أن أداء بايدن الرديء سيشكل منعطفا في حملة شهدت حتى الآن منافسة شديدة بين المرشحين، ولا سيما في الولايات التي يمكن أن ترجح كفة الانتخابات. غير أنه من الصعب معرفة ما إذا كانت المناظرة ستحدث تغييرا جذريا في بلد يشهد استقطابا سياسيا عميقا. ويبقى الرهان هائلا في ظل التقارب في التأييد للمعسكرين. فإن نجح أي من المرشحين في اجتذاب بعض الناخبين المستقلين، فهذا قد يكفي لإعطائه الأفضلية على خصمه في نوفمبر. لكن ثمة عاملا مجهول النتيجة قد يؤثر على مجرى الانتخابات، وهو المتاعب القضائية التي يواجهها ترامب. وفي هذا السياق، يصدر القضاء بعد أسبوعين عقوبته على الرئيس السابق بعد إدانته بتزوير مستندات محاسبية لإخفاء مبلغ مالي دفعه لشراء صمت نجمة أفلام إباحية سابقة أقام معها علاقة جنسية تفاديا لفضيحة قبل انتخابات 2016. ويواجه الرئيس السابق نظريا عقوبة بالسجن في هذه القضية، ولو أن هذا يبدو مستبعدا. كما ستبت المحكمة العليا التي عين رجل الأعمال السابق عددا من قضاتها، قريبا، في ما إذا كان يتمتع بحصانة جنائية تلغي الملاحقات في حقه بشأن محاولاته لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020 بصورة مخالفة للقانون، وهي مسألة قد تُحسم اعتبارا من الجمعة.