مع حلول العطلة الصيفية تنظم مجموعة من المجالس العلمية المحلية على امتداد مختلف ربوع المملكة برنامجا لتحفيظ القرآن الكريم لفائدة أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، حرصا منها على ربط الناشئة المغربية بكتاب الله، وزرع محبته في قلوبهم، وهو ما يساهم، حسب مهتمين، في تعميق أواصر ارتباط مغاربة العالم بهويتهم الدينية والروحية، والحفاظ على استقرارهم النفسي والعاطفي، إضافة إلى تعزيز صمود نموذج التدين المغربي المتميز بالوسطية والاعتدال في وجه الخطابات الدينية المتطرفة. في هذا الإطار قال خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، إن "مبادرة تنظيم بعض المجالس العلمية المحلية دورات صيفية لتحفيظ القرآن الكريم لفائدة أبناء الجالية المغربية تستهدف تعزيز المناعة الفكرية وتحصين العقيدة الإسلامية لدى أبناء الجالية المغربية، وربطهم بهويتهم الدينية والوطنية، خاصة أن العطلة الصيفية تمثل بالنسبة للجالية المغربية مناسبة لصلة الرحم مع بلدها، عبر الزيارات العائلية والسياحة في ربوع المملكة، للوقوف على مظاهر تنوع الثقافة واللغات، وتطور المدن المغربية". سفراء للثقافة المغربية وأضاف المصرح لهسبريس أن "هذه المبادرة الرائدة تأتي تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى إيلاء أبناء الجالية المغربية كل العناية والاهتمام، عبر الاستجابة لحاجاتهم الدينية والثقافية والتربوية، نظراً لما يمثلونه من رأسمال بشري في غاية الأهمية، خاصة أن الجالية المغربية اليوم تشهد تنامياً وتوسعاً عبر العالم، ما يجعل كل فرد من أفرادها سفيراً للثقافة المغربية، حاملاً لقيم الوسطية والاعتدال والتسامح والتضامن، مع الانفتاح على الآخر والتشبث بالأصالة المغربية في الوقت نفسه". وشدد التوزاني على أن "هذه المبادرة تتويج لسلسلة من المبادرات التي أطلقتها المجالس العلمية المحلية في العقدين الأخيرين، مثل إرسال الأئمة والمرشدين الدينيين إلى الدول التي تقيم فيها الجالية المغربية، وخاصة في شهر رمضان، والتأطير في أداء مناسك الحج والعمرة أيضاً، وتقديم خدمات الفتوى والإرشاد الديني عبر المنصات الرسمية التي وضعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رهن إشارة الجالية، وتشرف عليها المجالس العلمية ضمن الخصوصيات الدينية المغربية وبمراعاة طبيعة المجتمعات التي تعيش فيها الجالية المغربية، إضافة إلى مبادرة وزارة التربية الوطنية بإرسال عدد من الأساتذة كل سنة إلى الخارج لتدريس أبناء الجالية المغربية الثقافة المغربية واللغة العربية". ولفت المتحدث ذاته إلى أن "استغلال العطلة الصيفية في تحفيظ القرآن الكريم لأبناء الجالية يمثل خطوة في غاية الأهمية لتأكيد تشبث المغاربة بتقاليد حفظ القرآن الكريم وفق الطريقة المغربية، التي عادة ما ترافقها عادات ترتبط باللباس التقليدي المغربي وبتعليم العربية وتعرف العادات المغربية وأخلاق المغاربة، مثل احترام الكبير والاستئذان عند الدخول وحسن الإنصات والتزام الصدق والوفاء وحسن التواصل، ومساعدة الآخرين والتضامن والتسامح، وغير ذلك من القيم والأخلاق التي يتم تمريرها أثناء هذه الدورات التكوينية"، وزاد: "إضافة إلى أن هذه الدورات لا تكون مقتصرة على أبناء الجالية فقط، بل يستفيد منها أيضاً عموم أبناء المغاربة، وهذا يساعد أبناء الجالية في الاندماج مع أقرانهم من أبناء المغاربة ونقل الثقافة والهوية". وخلص رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي إلى أن "هذه الدورات التكوينية بالطريقة التي يتم تدبيرها بها حالياً، وباختيار توقيت العطلة الصيفية، سوف تكون لها آثار إيجابية جداً من حيث زرع محبة القرآن لدى أبناء الجالية، وتأكيد التزامهم بالأخلاق الفاضلة، وهو ما سوف يتابعه هؤلاء الأبناء في بلدان المهجر بعد انتهاء العطلة الصيفية عند رجوعهم إلى بلدان الإقامة، إذ تبقى متابعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قضايا المهاجرين المغاربة مستمرة طيلة السنة، وذلك ضمن سياسة تربوية وقائية بعيدة المدى تروم بناء أجيال ترتبط ببلدها الأم وبتاريخ أمتها وحضارتها، وهو ما بدأت ثماره تتجلى في سلوك كثير من أبناء الجالية الذين يعبرون عن اعتزازهم بالانتماء إلى بلدهم الأصلي المغرب، وإن وُلدوا في بلدان أوروبية وتابعوا دراستهم فيها، مع ذلك لا يترددون في كل مناسبة في التعبير عن الانتماء إلى الوطن الأم المغرب". لحمة روحية واعتدال أحمد البوكيلي، الأستاذ الباحث في الفكر الإسلامي والحوار بين الحضارات بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن "العديد من المجالس العلمية المحلية تنظم بشكل دوري لقاءات تواصلية مع الأخوة مغاربة العالم، سواء بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للمهاجرين أو من خلال تنظيم دورات خاصة لحفظ القرآن الكريم لفائدة أبنائهم وتعليمهم اللغة العربية، خاصة خلال العطلة الصيفية، وذلك بحكم الوظيفة الرئيسية للمجالس العلمية على هذا المستوى، المتمثلة في التأطير الديني والروحي لأبناء الأمة المغربية". وأضاف البوكيلي، في تصريح لهسبريس، أن "هذه المبادرات تأتي في سياق التوجيهات الملكية السامية التي يوصي فيها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس بخدمة مغاربة الخارج على جميع المستويات، خاصة على مستوى التأطير الديني، لما له من أهمية مركزية في المحافظة على اللحمة الروحية التي تشكل الأساس العاطفي والنفسي الذي يضمن دوام ارتباط مغاربة المهجر بوطنهم وتشبثهم بهويتهم المغربية الأصيلة وثوابتهم الدينية والروحية". وأوضح الأستاذ الجامعي ذاته أن "هذا التأطير الذي تشرف عليه المجالس العلمية من خلال تحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية لفائدة أبناء المغاربة المقيمين بالخارج يدخل في إطار الحفاظ على النموذج الديني المغربي، الذي يتميز بالاعتدال والوسطية، خاصة أن المجال الديني في العالم الغربي في ظل العولمة الإعلامية والثورة التواصلية أصبح معها مفتوحا على كل الخطابات الدينية باختلاف مرجعياتها المذهبية وتلاوينها السياسية والإيديولوجية". وزاد المتحدث شارحا: "وعيا منها بأهمية الدعوة إلى نموذج التدين المغربي، الذي أثبت صموده أمام تهاوي العديد من الخطابات الدينية التي ورطت الأمة الإسلامية في العنف والتطرف، فإن المجالس العلمية المحلية تستثمر هذه الدورات واللقاءات التربوية والتواصلية لتجديد المحبة والتواصل، ودعم هذا النموذج الذي يروج له أبناء الجالية في البلدان التي يقيمون بها". وخلص البوكيلي إلى أن "الجالية المغربية في الخارج تعد اليوم نموذجا فريدا للجاليات المتشبثة بدينها وهويتها الأم، كما أنها استطاعت الاندماج في المجتمعات المستقبلة دون أن يكون ذلك على حساب قيمها"، خاتما: "يكفينا فخرا أن هذه الجالية من أكثر الجاليات تشييدا للمساجد على امتداد الجغرافيا الأوروبية، وهي علامة على حضور هذا العمق الديني والروحي عند المغاربة حيثما ما كانوا".