أصدر المنتدى الأوربي للوسطية في بلجيكا، مع بداية السنة الجديدة 2023، كتابا جديدة بعنوان "الأمن الروحي للمغاربة المقيمين بالخارج"، عن الدار المغربية للنشر والتوزيع بالرباط، حيث ساهم في تأليفه 10 دكاترة متخصصين. الكتاب يرصد التحديات التي تواجه الجالية المغربية عبر ربوع العالم، وكيف نجحت في الحفاظ على هويتها الثقافية وخصوصياتها الدينية والروحية، وفي ذات الوقت كيف تمكنت من الاندماج وفرض وجودها وكفاءتها في العمل والإنتاج، وإثبات قدرتها على التعايش والتواصل والانفتاح. ويهدف الكتاب إلى رصد معالم الأمن الروحي للمغاربة المقيمين بالخارج، ضمن رؤية أكاديمية تأخذ بعين الاعتبار مجمل التحديات المعاصرة، حيث دافع أصحاب الدراسات المنشورة في الكتاب، عن جملة من القيم المغربية التي تمثل جوانب من الهوية الدينية والخصوصية الثقافية والحضارية للمملكة المغربية. وقاربت الدراسات المنشورة في الكتاب روافد الأمن الروحي وأبعاده لدى الجالية المغربية في الخارج، والتي أصبحت، بحسب الكتاب، "قوة دبلوماسية فاعلة ومؤثّرة، ومؤهّلة لتحقيق المزيد من المكتسبات؛ وخاصة دورها في تحصين الثوابت المغربية، ونصرة قضايا الوطن، وبما يعزّز الاستقرار والأمن في مختلف تجلياته". وشارك في تأليف الكتاب كل من الدكتور خالد التوزاني في محور "التصوف في المغرب.. قراءة في الاختيار الديني"، والدكتورة نزيهة امعاريج بمحور "المذهبية الأشعرية والأمن المجتمعي"، والدكتور إدريس الكنبوري بمحور "في الأصول الدينية للإصلاح.. من الوحدة المذهبية إلى الوحدة السياسية". كما شارك فيه الدكتور التيجاني بولعوالي في محور "التعليم القرآني في المغرب وديداكتيك اللوح"، والدكتور علال الزهوان بعنوان "مؤسسة إمارة المؤمنين.. صمام أمان للتوابث الدينية والوطنية لمغاربة العالم"، والدكتور إبراهيم ليتوس بمحور "الأمن الروحي وأهميته في إصلاح الشأن الديني". وشارك أيضا الدكتور خالد الصقلي بمحور "مؤسسة الزوايا والمتصوفة والعلماء بين أهمية أدوارهم وميكانيزمات تأطيرهم لنشر الوسطية والإسهام في هيكلة الحقل الديني بالمغرب"، والدكتور يوسف عطية بعنوان "خصائص الإصلاح الفكري والعقدي في المدرسة الأشعرية.. دراسة مقاصدية". وشارك الأستاذ خالد اوعبو بمحور "دور مناهج اللغة العربية والثقافة المغربية في تحصين الأمن الروحي لأبناء المغاربة المقيمين بالخارج"، والدكتورة مريم الكاهية بمحور "الاختيارات الدينية والمذهبية للمملكة المغربية.. قراءة الإمام نافع"، فيما قدَّم الكتاب الدكتور خالد التوزاني. وبحسب مقدمة الكتاب، فإن فكرة هذا الإصدار جاءت إيماناً بأهمية الروابط الدينية والوطنية التي تجمع المغاربة المقيمين بالخارج، بوطنهم الأم، المملكة المغربية، وبغية تثمين منجزاتهم ورصد تجليات تشبثهم بأواصر العلاقات التي تربطهم ببلدهم المغرب وبمؤسسة إمارة المؤمنين باعتبارها راعية الأمن الروحي وضامنة الاستقرار. ويرى المنتدى الأوربي للوسطية-بلجيكا، أن هذا الكتاب الأكاديمي يُعدّ "إضافة نوعية للمكتبة العربية في حقل الدراسات الإنسانية التي تحمل بُعداً دولياً، انسجاماً مع أهداف المنتدى في إبراز قوة الشخصية المغربية، وانفتاحه على قضايا الوسطية ومن أبرزها الأمن الروحي، خدمة للإشعاع المغربي في مجالات الفكر والإبداع والعلوم والتقنيات، وتمكيناً لريادة المملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس". ويرى الكتاب بأن الأمن الروحي في المغرب يمثل ركيزة أساس في التنمية والتحديث، وفي التواصل والتعاون مع الدول والمنظمات، ولذلك كان المغرب حريصاً على حفظ أصول هذا الأمن وعلى رأسها الإسلام الوسطي الذي ينهل من الكتاب والسنة روحه ومحتواه، بعيداً عن التيارات المتشدّدة. دراسات ومقالات الكتاب تتبعت أصول وتجليات الأمن الروحي للمغاربة المقيمين بالخارج، عبر إبراز سمات الشخصية المغربية، انطلاقاً من زوايا مختلفة، ومن منظورات متعدّدة، تبعاً لاختلاف تخصّصات الباحثين المشاركين في الكتاب، وهم نخبة خبروا عن قربٍ خصائص الهوية المغربية، وعملوا على استلهام مظاهر الأمن الروحي وأصوله وأبعاده. كما يحاول الكتاب استقصاء منابع الأمن الروحي عند المغاربة المقيمين بالخارج، من التزام بالثوابت الدينية والوطنية للمملكة المغربية، وحرصٍ على تحفيظ أبنائهم القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية وتمرير الثقافة المغربية، واختيار الوسطية منهجاً عملياً في تدبير مختلف شؤون حياتهم ومجالات تأثيرهم. ويخصص الكتاب اهتماما كبيرا بقضايا الوطن الأم، وخاصة وحدته الترابية، والإسهام في تنميته بمختلف الطرق والوسائل الممكنة، بما ينعكس إيجابياً على البنية النفسية والروحية لمغاربة العالم، ويعزّز إحساسهم بالانتماء لبلدهم المغرب، وخدمته من أيّ موقع كانوا فيه، ويظهر ذلك بوضوح في عدد من المناسبات الدينية والوطنية التي ينتعش فيها التعبير عن فخر الانتماء والاعتزاز بالثقافة المغربية. ويبرز الإصدار أنّ الأمن الروحي للمغاربة المقيمين بالخارج، يتجاوز ذلك الإحساس الفردي أو الذاتي المرتبط بالشخص الواحد أو داخل أسرته الصغيرة، إلى تعميم هذا الأمن على المحيط الذي يعيش فيه المغاربة، في تواصلهم مع الجيران وفي فضاء المدينة ومكان العمل أو الدراسة وفي المجال العام. وجاء في مقدمة الكتاب: "نجد الإنسان المغربي ملتزماً بالقيم الإنسانية الكونية، حريصاً على إشاعة الأمن، وترقية التواصل من النمط التقليدي القائم على تبادل المصالح، إلى نوع من التواصل الإنساني العميق الذي يمنح الروح أولوية كبرى، فينظر للآخر باعتباره أخاً في الإنسانية، وليس منافساً أو محارباً، الشيء الذي سهّل اندماج الجالية المغربية في مختلف البيئات والثقافات، دون أيّ شعور بالنقص أو الخوف".