عطس مواطن أمام أحد المحامين بمحكمة وسط مدينة الدارالبيضاء المغربية ، فاستشاط المحامي غضبا وفقد أعصابه فسب ولعن وشتم المواطن ولم يتركه إلا بعد تدخل رجال الأمن الذين قاموا بتقديم العاطس أمام وكيل الملك ليقول فيه كلمته لأنه أفقد بمخاط عطاسه رونق وجمالية البذلة الدفاعية للسيد المحامي . "" هذا الخبر الذي أوردته يومية الجريدة الأولى بالمغرب في عددها الصادر يوم الأربعاء 17 يونيو 2009 إن دل على شيئ فإنما يدل على أننا مواطنون ناقصون لا نتمتع بمقومات المواطنة الكاملة ولا نتوفر على مجتمع يحترم الضعفاء ويكرم من أمرت الشرائع السماوية والقوانين الأرضية بتكريمه في كل زمان ومكان . نعم نحن مواطنون ناقصون ، ندعو بالديموقراطية الرسمية ولا نكون ديموقراطيين إلا مع من هو أعتى وأقوى منا ، ونطالب بالمساواة والحرية والكرامة ولا نحترم حرفا واحدا مما نطالب به ، والدليل على ما أقول ما أرى لا ما أسمع في بلدي وفي باقي البلدان العربية والإسلامية . فمن تجاوز إشارات المرور إلى تجاوز الصفوف والطابورات والأدوار في الوزارات والإدارات والبلديات والمقاطعات والمستشفيات ، ومن احتقار بعضنا البعض إلى احتقار البعض منا لنفسه في عدد من المحطات والمواقف ، ومن صبرنا على ظلم الكبراء وعدم تحملنا لزلات الصغراء إلى جورنا على الجار ونصرتنا للظالم بصمتنا عليه ، لا يجد المرء إلا حيرة ممزوجة بمرارة تجيب على التساؤلات التي تطرح عن أسباب وصول المجتمعات إلى مثل هكذا حال . هذا ما يلاحظ على بعض المواطنين المغلوبين على أمورهم ، أما من جهة المسؤولين فالكلام عنهم بلا حرج لا يستثني إلا قلة تدخل ضمن حديث " الخير في أمتي إلى يوم القيامة " ، وهو للإشارة حديث ضعيف ، فرجل الأمن يبتزك عند أول مخالفة تقع فيها إذا ما كنت مواطنا عاديا ، أما إذا كنت من المواطنين " السوبر " فستطلق عليه الرصاص بلا رحمة أو تردد لتيقنك أنك وأمثالك فوق القانون ، وهذا الأخير يطبق عليك بزيادة لا تحتمل النقصان بمجرد علم من يسيرونه أنك بلا ظهر قد تستند إليه في الضراء وحين البأس ، و القاضي يحاكمك مع سبق الإصرار والترصد على الغائبة والحاضرة وعلى الشاذة والفادة حتى وإن كنت مجنونا أو رفع عنك القلم حالما يتيقن أنك ضمير مستتر لا تصله بمراكز صنع القرار همزة وصل أو واو عطف ، أما إذا ثبت لديه بالدليل الملموس أوالحجة الواضحة أو التدخلات الغامضة أنك من أهل الفوقيات فشهادة طبية يوقعها طبيب مختص في الأمراض العقلية والنفسية تكفي لأن يصدر حكمه بالبراءة أو عدم الإختصاص ، وهكذا دواليك قوي يبطش بضعيف وضعيف يبحث لقوي عن دوائر يتربص من خلالها به . نحن مواطنون ناقصون في كل شيئ ، نتعرض للمهانة على أيدي من امتهنوا الإهانة ، وتسحق كرامتنا في أقسام الشرطة ودهاليز الإدارات وغياهب الوزارات ، وتسرق خيراتنا في واضحة النهار ، ونسجن أو نسفه أو نخوَّن أو ننفى إذا ما نطقنا بحرف من حروف الإشارة أو طالبنا باسترداد حقوقنا في أبسط عبارة . غرباء نحن يأسرنا وطن يمنع عنا الحلم بعد المغيب ويجبرنا على تجرع البأس والبؤس مع نسمات الصباح فلا يترك لنا إلا خيار السباحة في بحار اليأس ، واليأس سيف بالغ الحدة لا اعتراف معه بالحدود ولا تكهن لما يحدثه من ردود إذا ما رام صاحبه فك الأغلال والقيود . في المغرب كما في البلدان التي تحاول أن تخفي أنوار الحقائق بغربال الزور والتزوير توجد تناقضات ومفارقات وأعاجيب يعجب من ثقلها العجب العجاب ، فالغربة والمهانة والذلة والعجز واليأس والفقر والحرمان والفقر والظلم والبهتان وغير ذلك صور بشعة لمعاناة المواطن العادي تقابلها صورة مثالية لمواطنين كملوا بما لهم من أصوات مسموعة وسياط مرفوعة وضمانات مدفوعة وحصانات تدرأ ما عليهم من أخطاء وخروقات وتجاوزات ، وتلك معادلة أخبرنا التاريخ أن استمرارها على أرض الواقع يدخل ضمن باب المستحيلات لأنه لا يصح إلا الصحيح ، والصحيح هو أن حق العاطس تشميته لا شتمه ، وحق المواطن تكريمه وإكرامه وإنصافه واحترام آدميته وبشريته لا قمعه وردعه وتخويفه وتخوينه وتغريبه ووضع موازين أمامه تقوم على أسس تجعل منه مجرد رقم ناقص ومن غيره الكل في الكل . ... ولله در من قال : إن أسوأ أطرش هو من لا يريد أن يسمع .