لا تكف الخرجات الإعلامية للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن إثارة القليل من الجدل السياسي والكثير من السخرية؛ فبعد متلازمة الأرقام "الفلكية البعيدة عن الواقع"، وفق وصف كثيرين، التي لازمته في الفترة الأخيرة مُثيرة موجة من التهكم، خرج عبد المجيد تبون هذه المرة ليُلقي خطابا بمناسبة عيد العمال العالمي، بُث أمس الخميس على قنوات التلفزيون العمومي، أدلى فيه بتصريحات سرعان ما تحولت إلى مسخرة على مواقع التواصل الاجتماعي. تبون الذي كان يتحدث عن إنجازاته أمام جمع من المسؤولين المدنيين والعسكريين، قال: "أنتم شهود أنه لأول مرة في تاريخ الجزائري المستقلة، لا توجد هناك وعود انتخابية، ولكن هناك التزامات مكتوبة. وكل ما قمت به سبق أن التزمت به كتابيا، وبتوفيق من الله ومساعدة الوطنيين الأحرار وصلنا إلى نتيجة على غرار عصرنة الجيش الوطني الشعبي الذي يخافون منه من بعيد". كما أضاف أن "ركائز الاستقلال هو الجيش القوي والاقتصاد القوي"، قبل أن يردف باللغة العامية: "ما عندنا حتى عقدة في هاد المجال.. تجيني بالكلام الحلو معليش.. كلامك راني نديرو على جيه.. بصح راني شاد حجرة في يدي، تخرج على الصف نعطيك"، بتعبيره، وهي الجُملة التي قالها تحت ضحكات وتصفيقات قائد الجيش السعيد شنقريحة. تصريحات وصفها عديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بأنها "مسيئة" لسمعة الجزائر ولا ترقى إلى ما يجب أن يتصف به الخطاب السياسي، خاصة خطاب الرؤساء، من ذكاء ورزانة واتزان، بل إن منهم من ذهب بعيدا واتهم تبون تهكما ب"الحُمق" وبأنه "يعيش في العصر الحجري"، في حين علق وليد كبير، الصحافي الجزائري المعارض، على الجملة الأخيرة من كلام الرئيس في منشور على صفحته على "فيسبوك" بالقول: "تبون يستعمل عبارات بلطجية في خطابه... تبون يسيء بشكل بليغ إلى سمعة الجزائر ويؤكد على أن نظامه مافياوي خالص"، قبل أن يتساءل: "أهذا مستوى رئيس الجمهورية؟". من جهته، قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن "الرئيس المُعين تبون لا يكف عن إثارة الجدل في كل خرجة إعلامية له، تارة عبر الحديث عن أرقام اقتصادية خيالية تنم عن ضعف الثقافة الاقتصادية والسياسية للرجل، وتارة أخرى عبر استعمال عبارات ومصطلحات غير مسبوقة في تاريخ الخطاب والتواصل السياسيين، كأن يسمي المغرب مثلا ب[الدولة لي هوك]، أو غيرها من العبارات التي جعلت مؤسسة الرئاسة عرضة للسخرية والتهكم وأساءت لصورتها وعبرها صورة الجزائر ككل". وأضاف ابن زهرة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "طغيان أسلوب النكتة واستعمال الألفاظ العامية المفتقرة لأبسط أسس ومعايير الخطاب السياسي، إنما يعكس مستوى النخب السياسية الحاكمة في الجزائر ورداءة خطابها وبُعدها كل البعد عن مشاغل وهموم الجزائريين الذين ينتظرون إجابات تنموية على مشاكلهم"، مسجلا أن "هذا النوع من الخطاب ألحق ضررا كبيرا بمؤسسة الرئاسة في البلاد وحولها إلى مسخرة لدى الرأي العام المحلي والدولي، وهذا الأمر لم تعرف له الجزائر مثيلا حتى في عهد بوتفليقية بأخطائه السياسية والاقتصادية". وأوضح المتحدث أن "توالي سقطات الرئيس يكشف في الحقيقة أزمة الخطاب السياسي في الجزائر وغياب الوعي لدى النخب الجزائرية بتبعات تصريحاتهم وبحثهم عن الشهرة السياسية عبر إلقاء الكلام على عواهنه في ضرب واضح لسمعة الجزائر التي تضررت بشكل كبير في الآونة الأخيرة"، معتبرا في الوقت ذاته أن "المستوى الذي بلغه الخطاب الرئاسي والحزبي، هو نتيجة حتمية لتصحير الساحة السياسية وتدجين المشهد السياسي العام في البلاد وسيطرة العقليات العسكرية على كل مفاصل الدولة".