رفض مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، وصف "المقايضة" الذي قوبل به الاتفاق الاجتماعي الذي وقّعته الحكومة مع النقابات عشية تخليد "عيد العمال الأممي"، مؤكدا في المقابل أنه "اتفاق مهم جداً وغير مسبوق بالنظر إلى قيمته المالية أولا، ثم لأنه خرج من منطق الحوار الاجتماعي في صيغته السابقة إلى منطق جديد يندرج في إطار توجيهات الملك محمد السادس القاضية بمأسسة الحوار الاجتماعي". وقال بايتاس في لقاء صحافي عقب اجتماع المجلس الحكومي اليوم الخميس، ردا على أسئلة الإعلاميين في الموضوع: "إنها جولة جديدة للحوار الاجتماعي تندرج في إطار بناء المشروع الاجتماعي الذي أراده جلالة الملك محمد السادس"، إذ "خرجْنا من منطق سابق يكون فيه اتفاق غداة اجتماع فاتح ماي نتكلم فيه تقنياً مع ترك الأمور لملتقى قادم في السنة المقبلة". "أوّلُ ما قامت به الحكومة في هذا الإطار هو مأسسة الحوار الاجتماعي"، بمعنى "عقد لقاء كل ستة أشهر مع النقابات"، يورد المسؤول الحكومي، شارحا: "لا نلتقي مع النقابات لمناقشة القضايا التقنية فقط، ولكن لمناقشة الإصلاحات. إذن، من يقول المقايضة لم يَفهم بعد مأسسة الحوار ويحتاج إلى وقت كثير لكي يفهَم". وأضاف: "الحكومة التي نصّبها جلالة الملك تقوم بالإصلاحات مع النقابات، ولكن لكل إصلاح كلفة، ومنها الرفع من الإمكانيات المتاحة وتوجيهها نحو الموارد البشرية لكي تواكب ارتفاع تكاليف الحياة"، مسجلا أنه "بغضّ النظر عن قيمة الزيادات والأرقام، يجب أن ننظر إلى عمق الإصلاح إلى جانب الشركاء، ومع الفرقاء". وزاد موضحا أن "هذه الثقافة الجديدة للحوار الاجتماعي التي أرستها هذه الحكومة، تدعو إلى أخذ مأسسة الحوار الاجتماعي كنقاش يتجاوز الأرقام ويصل إلى إصلاح قضايا كبيرة جدا تأجّل إصلاحها ببلادنا". الناطق الرسمي باسم الحكومة شدد على الخيط الناظم بين "ارتباط مخرجات ومكتسبات الحوار الاجتماعي" ب"مشروع البناء المؤسساتي للدولة الاجتماعية والمشروع الاجتماعي الذي انطلق أولًا بالدولة الاجتماعية وصولاً إلى إقرار إمكانيات مالية مهمة للطبقة المتوسطة". "هو بناءٌ بشكل متدرج، بدأنا بالطبقات المعوزة المحتاجة لأمو تضامن والتغطية الصحية المعمَّمة لغير الأجراء، ثم إقرار تعويضات عائلية مباشرة عن الأطفال في وضعية تمدرس أو غير تمدرس، قبل المرور إلى فضاء الحوار الاجتماعي كمستوى ثالث"، يؤكد الوزير ذاته، خالصا إلى أن "مأسسة الحوار الاجتماعي مكسب مهم جدا للجلوس ومناقشة هذه القضايا مرة كل 6 أشهر". 4,2 مليون مستفيد وبخصوص "معالجة وضعية الشغيلة والأجراء"، أفاد بايتاس بأن "حصيلة الحوار الاجتماعي (إلى حدود أبريل 2024) تمس إجمالي 4.2 مليون مستفيد، منهم 1,2 مليون مستفيد في القطاع العام، و3 ملايين أجير في القطاع الخاص"، وذلك عبر إقرار زيادة عامة في الأجور بألف درهم (على قسطيْن: يوليوز 2024 ويوليوز 2025)، وزيادة عامة في الحد الأدنى للأجر الصناعي (SMIG) بنسبة 20 بالمائة وفي الحد الأدنى للأجر الفلاحي (SMAG) ب25 في المائة منذ تنصيب الحكومة الحالية. وقال بايتاس إن "قيمة الحد الأدنى للأجر بالمغرب تظل في مراتب جد متقدمة في القارة الإفريقية، وهو مجهود كبير قامت به هذه الحكومة"، مضيفا أن "إجراء التخفيض الضريبي على الدخل يهم جميع الشرائح"، موضحا أن "هامش الإعفاء سيُرفع من 30 ألف درهم إلى 40 ألف درهم، وستصبح 6000 ألف درهم معفية من أي ضريبة"، مبرزا أن "الطبقات المتدنية لا تؤدي أي ضريبة، بينما الطبقات التي في مستوى مرتفع تؤدي ضريبة لضمان نوع من العدالة الضريبية". في السياق ذاته، شرح بايتاس للصحافيين أن "خفض الضريبة على الدخل سيساعد الأجراء والموظفين على مواجهة ارتفاعات تكاليف الحياة، ولكي تكون الدولة الاجتماعية يجب أن تضمن عدالة ضريبية وتحسين الأجور، خاصة من حيث الطلب الداخلي، وجملة من الإيجابيات". إصلاح التقاعد والإضراب في موضوع متصل، أكد بايتاس أن "الحوار الاجتماعي لا يهمّ فقط الدخل والأجر، بل يشمل التطرق لملفات مهمة نعرف أنها تحتاج إصلاحا عاجلًا، وفي طليعتها التقاعد". وقال في هذا الشأن: "كان لا بد للحكومة أن تباشر هذه الإصلاحات، ولها خياران في ذلك: إما أن تباشر الإصلاح بشكل شجاع ومشترك مع النقابات وتضع السيناريوهات الممكنة، عبر إقرار قطبين: عمومي وخاص، وإما سنذهب إلى التأجيل، لكن من سيتحمل كلفة التأجيل، فكُلفة الإصلاح تبقى معروفة". وخلص إلى أن "الإصلاحات في أجواء المسؤولية والصراحة تمكننا من معالجة ملفات تهم أجيالا قادمة، ومنها حقهم في التقاعد، ونحاول تدبيره بمنطق علاقات مع الفرقاء مع استحضار مختلف العناصر المرتبطة به". أما "قانون الإضراب"، فاعتبر بايتاس أنه "كان من المفروض أن يخرج في الولاية الأولى التي تلت المصادقة على دستور 2011′′، مبرزا أن "الإضراب حق دستوري لا جدال فيه، لكن يجب أن نُنَظّمه ولا يمكن للحكومة أن تفعل ذلك لوحدها، بل تحتاج إلى أن تستمع إلى النقابات، ودور البرلمان مهم في هذا الصدد كذلك".