من يتصفح قاموسنا الشعبي – الشفهي – ويتمعن جيدا في ألفاظه، يجد فيه الكثير مما يسليه تارة، وما يغضبه تارة أخرى، خصوصا إذا توقف عند كلمة "البايْرَا"، اللفظة القدحية الجبارة، الثقيلة على النفس والأذن، وغير المنصفة في حق وكرامة الأنثى عندنا... الكلمة مخجلة جدا، ومحرجة جدا، بالنسبة للأنثى خصوصا، دونما الرجل "البايَر". وكلمة "البايْرا" ربما هي أسوأ توصيف جارح، مرعب، يتوارثه القوم في حق المرأة؛ وقد تعني للكثيرين أنها غير مرغوب فيها في مجتمعهم الذكوري، وبضاعتها كاسدة في سوق الرجل... وتتخللها عيوب لا نهاية لها، فهمشت عقابا لها، وبهذا صارت "بايرا" عانسا. وعلى هؤلاء، الذين لا يعلمون، أن يعلموا جيدا أن العصر تغير، ولم تعد المرأة تلك القابعة في مخدعها تنتظر الرجل، سواء أحبها أم أرادها بغير حب، بل لها في عصرنا أبعد من ذلك، وليست تلك غايتها، فللمرأة اليوم التزامات، أكان في حياتها المهنية أو الدراسية، سعيا وراء شهادات عليا، لا إطراءات كاذبة، وشهادات فارغة في جمال عينيها، وقامتها، وشعرها الحريري المهفهف، وخصرها الناتئ، التي قد تدفع حتما في توريطها ببلادة فاضحة في حبال الخنوع والاستغلال المُذليْن. في الغرب عموما يلقبون – العانس – العزباء ب"الآنسة" لا غير، بكل ود واحترام، لا نفاقا ومجاملة. والزواج منها في سنها المتأخر بركة، ونضج، وكنز من الخبرة الحياتية، وهي أهل لكل تبجيل وتكريم، ورسموا لها هالة تبرز مكانتها الرفيعة في المجتمع. نعم، هذا في الغرب الذي لا يفرض على الأنثى أشكالا ثقيلة من قيود التقاليد الغريبة. التقاليد التي اختلقناها على هوانا ما أنزل الله بها من سلطان. كما أننا ومع الأسف نقلد الغرب في الملبس والثقافة واللسان، والمظهر، وتقريبا في كل شيء.. إلا في هذه التسمية الخارقة. ولو قدموا لنا كل التبريرات المنطقية والأخلاقية لما صدقناهم نحن "الدُّغْمائيون" سوى بالرفض القاطع الذي لا رجعة فيه. وللأسف فإن هذا القاموس الشعبي العجيب لا يتوقف أبدا عن التمدد والتطور على حساب الأبرياء، فهناك الكثيرون ممن يضيفون له الجديد في كل مرة، من المفكرين والعباقرة الجهلاء من خلف الظل...ومن آخر إنتاجاتهم قولهم: "فاتها قطار الزواج".. وا عجباه.. أهم من يقود هذا القطار حتى فاتها؟. فعلى بعض الأفواه أن تزيل هذا الحرج والخجل عن الأنثى، رفقا بالقوارير؛ وليعلموا أنهن حساسات وذوات شعور هش. وكم من فتاة بهذه الكلمة الموجعة، وعلها تتفاداها، رمت بنفسها في زيجة كسرت فيها كرامتها ونفسيتها وأحلامها، وكم منهن منتحرات ودعننا وتركن قاتلتهن حرة طليقة في قاموسنا الشعبي المقيت، وهي مازالت تتربص بأخريات منهن، ومن رَكبَهُن اكتئاب رهيب خسرن به لذة الحياة وسعادتها معا. المرجو تنقية قاموسكم الشعبي من هذه الكلمة الشريرة، ومخاطبتها ب"الآنسة"، بكل ود واحترام، ولو للمرة الأولى، في ما أنتم فيه آثمون ومخطئون...