أول استنتاج من أول قراءة في تجديد جلالة الملك محمد السادس ثقته في الحكومة هو ان المشهد السياسي المغربي الحزبي أخذ ينحو جهة الاضطراب، والتشوش،والغرور، واستعمال الأدوات المتوفرة القصوى لاحتلال الريادة ولفت الانتباه، وصولا إلى غاية مرسومة ، بالتأكيد تخدم مصالح شخصية مبطنة بالترويج لدعاية التغيير، والتشكيك في كل شيء،وبكل الوسائل، ولو كان كل ذلك مجرد حرث في بحر من الأوهام، وتكريس ثقافة انتهاز الفرص، و بعض النفوس الضعيفة تجد ضالتها في الزبد الذي يذهب جفاء ،وتفرط في ما ينفع الناس. "" وأكبر فرصة يمكن أن تنتهز ،في نظر بعض المتسيسين هي الانتخابات، فعوض أن تكون عرسا انتخابيا، تتبادل فيه الأفكار والطموحات، يأبى البعض إلآ أن ينحدر بها إلى مهاوي افتعال الأزمات، دون مراعاة لأحوال البلاد، وعلى رأسها وجود جلالة الملك خارج أرض الوطن، مما يقتضي الحرص على الحفاظ على الاستقرار السياسي، ودعم حكومة جلالة الملك لمواصلة العمل خاصة وأن كل الجهود متكاتفة لإنجاح الاستحقاق الانتخابي الجماعي ليوم الجمعة 12 يونيو الجاري. أما الاستنتاج الثاني فهو أن جلالة الملك يظل هو الضامن لما أسميه الحكمة السياسية، والتبصر النزيه المبني على الحنكة والتدبر، والتقويم الموضوعي للعمل الحكومي، وهنا لا أتفق مع بعض التحليلات التي تحاول أن تسيس الثقة الملكية، لأن جلالة الملك فوق كل الاعتبارات التي يمكن أن تجعل من قراراته ترويجا سياسيا للاستهلاك، فمنذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، وهو يحرص على الصراحة، ومخاطبة الشعب المغربي بصدق، كما يرعى مصالحه بصدق أيضا. وهنا لابد من الإقرار بأن الثقة الملكية في الحكومة هي تاج على رأسها يجب أن تتباهى به من جهة، ولجام لكل توجه مراهق يريد أن يرج المشهد السياسي رجات سلبية، تعمق فقد الثقة الذي عقدت بعض الصحف العزم على إلقائه في روع الناس، كما أنها مسؤولية ومحفز على استفراغ ما في الوسع لمواصلة الإصلاحات الكبرى، وتوفير مناصب الشغل وغيرها من القضايا التي يستغلها البعض للتشكيك في أعمال الحكومة. إن الأحزاب السياسية المغربية،مدعوة لكي تستحق الثقة الملكية هي أيضا أن ترسم لنفسها طرقا استقطابية مبنية على تخليق الحياة العامة،وعلى رأسها، صيانة المبادئ،ومحاربة الترحال السياسي الذي يميع الحياة السياسية ويجعلها عبثا غير ذي غناء ، والحزب الذي لايستطيع أن يكون لنفسه أنصارا ومنخرطين دون أن يسعى إلى تشتيت أحزاب أخرى ليس حريا بأن ينعت بالحزب رغم حصوله على ترخيص من الدولة، ويوم يشعر كل منتمي إلى أي حزب بالغربة والعار عندما يغادر حزبه إلى حزب آخر نكون قد وصلنا إلى درجة يمكن أن نطمئن فيها على واقعنا السياسي،ويوم يلوم السياسيون وينبذون كل من غير جلده السياسي كلما ناقض حزبه طموحاته المصلحية الشخصية الضيقة ، ويعاقبه المواطنون بعدم التصويت عليه،نكون قد وصلنا إلى مستوى من الأخلاق السياسية الرفيعة. من حق بعض الشبان الذين يجدون أنفسهم في مفترق الطرق،وسط الزحمة الحزبية غير المتجانسة، أن يتخذوا قرارات لاتسهم في تطوير العمل السياسي ماداموا لم ينعموا بمشهد سياسي حزبي مستقر وواضح المعالم،وإنما وجدوا عبثية لاتستطيع أذهانهم الفتية استعابها، وتطفح تلك العبثية بمناسبة الانتخابات لتلون عقولهم بأطياف من انعدام المسؤولية، وتنكر للمبادئ، واستعمال كل الوسائل للفوز بمقعد انتخابي دون مراعاة للكفاءة ، وشفافية الضمير. إذا لم تشكل الأحزاب السياسية مدارس سياسية ، وأخلاقية فماذا عساها أن تكون،وما القيمة التي ستضيفها لكل من يفكر في الاهتمام بالمجال السياسي. بعض المقولات المغربية تذهب إلى القول ،بأنه ليس هناك غير الملك، وإذا كان البعض يحاول أن يوحي من خلالها بانعدام الديمقراطية، فالحقيقة أن المؤسسة الملكية تشكل ملاذا لمن يتوخى الرصانة،وبعد النظر، وتجسيدا للعمل السياسي الهادف،ففي عدة خطب دعا جلالة الملك إلى ضرورة تفعيل الديمقراطية الداخلية الحزبية،وتطعيم المكاتب المسيرة بالشباب، وتربيتهم على حب الوطن والالتزام بالقيم الدينية والوطنية والأخلاقية،لكن لحد الآن لم نسمع أن تلك الأحزاب فعلت تلك الدعوات،وقومت أعمال مناضليها بناء على إستراتيجية واضحة، لخلق تكامل مع المؤسسة الملكية تستفيد منه البلاد إلى أبعد مدى. إن تجديد الثقة الملكية في الحكومة،إشارة إلى كل حزب،وإلى كل شخص لكي يتحمل المسؤولية،ولا ينخرط في حزب حتى يقتنع به،وإذاما اقتنع وقرر، فعليه أن يلتزم، أما التطواف في كل انتخابات على الأحزاب وقبول تلك الأحزاب بهذه الوضعية فلن تزيد المشهد السياسية سوى ضبابية وتشتتا،وهو مالا يريده الملك.