عيد الحب، عيد العشاق.. أو حين تلبس المحلات والمتاجر المتخصصة في الألبسة والهدايا، بالعديد من المدن الكبرى، حلة حمراء متزينة بالدببة والورود والقلوب والبالونات، احتفاء بحلول الرابع عشر من فبراير من كل سنة، والمسمى في العالم الغربي ب"يوم القديس فالنتاين" حيث يربطه البعض بقديس عاش في القرون الغابرة، فيما يحيله آخرون على قصص وأساطير من العالم القديم، وإن كان الشباب العربي عموما والمغربي على الخصوص لا يولون لأصولِه أهمية بقدر الاهتمام بمظاهره وطقوسه. وفي العصر الحديث، تم تَجميل المعتقدات الشائعة عن "فالنتاين" برسمها صورة له كقسيس رفض قانوناً يقال إنه صدر عن إمبراطور روماني كان يمنع الرجال في سن الشباب من الزواج. وكان فالنتين، بوصفه قسيساً، يقوم بإتمام مراسم الزواج للشباب، وعندما اكتشف "كلوديس" ما كان "فلنتاين" يقوم به في الخفاء، أمر بالقبض عليه وأودعه السجن وحكم عليه بالإعدام. "عيد الحب"، أو "فالنتاين" هذا كيف يعيشه الشباب المغربي؟ هل يهتمون به ويمارسون طقوسه وأجواءه الرومانسية مثل شباب عدد من البلدان الغربية، وهل الاحتفاء به سلوك إنساني نبيل، أم مجرد عيد دخيل ينم عن غزو ثقافي واستلاب حضاري خطير؟..أسئلة حملتها هسبريس إلى مختصين لمقاربة الجواب بخصوص هذه المناسبة. "عيد" نُخبوي الدكتور حسن قرنفل، الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع، يرى أن مظاهر الاحتفال ب "الفالنتين" ليست واسعة الانتشار بالمغرب، باعتبار أنها تظل مقتصرة على فئات اجتماعية محددة قد تتسم ببعض الثراء، أو متأثرة ومتشبعة بالثقافة الأجنبية، إضافة إلى كونها تتم في أماكن خاصة في البعض الفنادق والمطاعم". ونفى قرنفل، في تصريحات لهسبريس، أن تكون هذه المناسبة من الأعياد الشعبية بالمغرب تمارس بطريقة اعتيادية، ولكنها عيد نخبوي محض، والاحتفال به لدى بعض الشباب يمثل انخراطا في نوع من الحداثة". وأضاف الباحث أن احتفال المراهقين واليافعين المغاربة بعيد الحب في إطار الجماعات، لا يأخذ بعدا احتفاليا لكون العيد يُحتفل به على مرأى ومسمع الجميع، أما الاحتفالات التي تقتصر على جماعة الأصدقاء الضيقة، أو قلة من الناس، فلا يمكن تسميتها بالاحتفال أو تبني المجتمع المغربي لهذا العيد". وأكد المتحدث على "أن الشباب المغربي ليس عينة متجانسة، فهناك من له تمسك بالأصالة الإسلامية والمغربية، ويعتبر عيد الحب دخيلا، إلى جانب آخرين يرون فيه انطلاقا نحو الحداثة وتبني سلوكيات المجتمعات المتقدمة". غزو ثقافي ومن جهته أفاد الكاتب الإسلامي، حسن السرات، إلى أن "احتفال بعض الشباب المغربي بعيد الحب يعد مظهرا من مظاهر الغزو الثقافي"، موضحا أن "الحب شعور إنساني نبيل خلقه الله في الإنسان لتكون الحياة به أكثر جمالا، خاصة في العلاقات التي تجمع الذكر بالأنثى". وزاد السرات بأن "الحب في الشريعة الإسلامية يقوم عليه الوجود، كما كتب ابن القيم الجوزية في كتابه روضة المحبين ونُزهة المشتاقين حيث يقول في أحد الفصول "الأكوان كلها والأفلاك كلها قائمة على المحبة، لولا المحبة ما عبدت الأفلاك ولا الأشياء سيدها وخالقها، فالمحبة هي التي تجعلها تسير نحوه وتتشوق إليه"، وبالتالي فالمحبة آية من آيات الله. مؤلف كتاب "الإباحية الجنسية" اعتبر أن المشكل الآن كامن في انحراف هذه المحبة في بعض الأحيان بسبب الغزو الثقافي الذي نعيشه في هذا الزمن، فالأصل ليس عليه غبار، إلا أن تصرف الإنسان وتصريف هذا الشعور عن مساره النبيل يخلق مشكلا". وتابع السرات بأنه "من المعلوم أن المشاعر في الشريعة الإسلامية التي يعلنها الإنسان تجاه الطرف الآخر توجب عليه تحمل مسؤولياته فيها، فلا يوجد شعور بلا مسؤولية، وكل لها ثمن" وفق تعبير المتحدث. ويرى الباحث أن احتفال البعض بما يصطلح عليه بعيد الحب، دليل آخر على فشل السياسات التربوية الدينية سواء الرسمية أو غير الرسمية، " يبدو أننا في حاجة إلى جهد كبير جدا في ترسيخ المشاعر، وترشيد العواطف، قبل ترشيد المواقف وهذه مسؤولية مشتركة للجميع". وسار السرات إلى أن "العالم صار قرية صغيرة، فلا ينفعنا أن نتقوقع على أنفسنا بل ينبغي بذل طاقتنا لترشيد المشاعر العالمية، وتقديم نموذج أمثل لا يكبُت هذا الشعور بل يعترف به، ويضعه في مكانه الأمثل والأفضل الذي هو الزواج، فالزواج هو عيد الحب الذي يحتفل خلاله الحبيبان اللذان تزوجا ومعهما أحباؤهما وعائلاتهما".