ليلي المراكشي والإساءة المقصودة للدين الإسلامي تحكي قصة فيلم "روك دو قصبة"، المعروض في المسابقة الرسمية في مهرجان طنجة للفيلم الوطني، ولمخرجته ليلى المراكشي، الموت المفاجئ للرجل الثري مولاي حسن. وتقمص دور مولاي حسن الممثل الكبير عمر الشريف الذي اسدل ستار الفيلم بالمقولة: لا تدفعوا المرأة الى البكاء لان الله يحتسب دموعها، في اشارة واضحة ان المرأة المغربية معتدى عليها في المجتمع المغربي. ويترك مولاي حسن وراءه بعد موته أربعة نساء: زوجه عائشة (هيام عباس) القانتة، وابنته الاصغر صوفيا المتحررة الثائرة (مرجانة العلوي) التي غادرت المغرب وتحولت الى ممثلة في الولاياتالمتحدةالامريكية، وكنزة (لبنى ازبال) المدرسة المتدينة الطائعة، ومريم (ندين لبكي) المتذمرة من جسدها الجميل الذي لا يستغله احد وتحتسي البيرة دون توقف. وتستغل النساء الأربعة مناسبة موت مولاي حسن لتصفية حساباتهن. وتنطلق بنا المخرجة في رحلة مجانية بمتاهات الحركة النسوية التي تريد، كما تزعم، تحرير المرأة المغربية من القيود الجاثمة على صدرها كالاعتداء على حقوقها الطبيعية في الارث في الاسلام او حرمانها من ممارسة الجنس بكل حرية واختيار او الوقوف ضد زواجها بالمسيحي او الزج بها داخل المنزل لتتعرض لزنا المحارم. ونحن نعتقد ان هذا الفيلم كتب تحت الطلب بهدف مقصود. وفيلم ليلى المراكشي هذا لا يختلف كثيرا عن فيلمها الأول "ماروك" الذي روج للمسخ الدوابي بالإساءة المقصودة للدين الإسلامي. والمعروف أن هستيريا تحرير المرأة انتقلت من الغرب إلى العالم العربي عبر الغزو العسكري والثقافي. ومن أهم أولويات هذا الغزو البحث عن نقاط الضعف في المجتمعات العربية-الإسلامية للتهجم على الدين الإسلامي. ومن بين الحالات التي نالت اهتماما واسعا في الدراسات الاستشراقية وضع المرأة في الإسلام. وتأثرت هذه الدراسات كثيرا بأدبيات الحركات النسوية الغربية التي رسمت صورة لمكانة المرأة الغربية الدونية في المصادر الثقافية الدينية الغربية أي في التراث اليهودي-المسيحي. وهذه الحركات توجه اللوم لهذا الإرث المنحرف لازدرائه المرأة الغربية وإهانته إياها وتُحمله المسؤولية. والميراث اليهودي-المسيحي أساء بالفعل إلى المرأة، حيث ألقى عليها تهمة الخطيئة، لأنها، حسب النصوص الدينية المحرفة في التوراة والتلمود، عصت ربها وأغرت آدم عندما أكلت من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها. وخلصت هذه النصوص المحرفة إلى أن الجحيم هو مأوى المرأة الأخير. لكن القرآن الكريم جاء ليصحح مفهوم الخطيئة وبرأ المرأة مما نسب إليها من كونها عنصر وسوسة وخطيئة وحمل المسؤولية آدم ومن بعده حواء. واختطت المخرجة لنفسها في فيلمها "روك دو قصبة" التعميم المبتسر الذي يبدو للوهلة الأولى أن القصد منه حسن النية، إلا أن الحقيقة المختفية وراء هذا الوجه الناصع تفضح تلك النوايا الخبيثة، إذ يصور الفيلم، بطريقة صادمة ومستفزة، المغرب كسجن كبير تتعرض فيه المرأة، من قبل الرجل، إلى الإهانة والاحتقار والاضطهاد، ويتغاضى المجتمع عن هذه السلوكيات ويدفع المرأة إلى الانتحار (انتحرت ليلى الاخت الرابعة بعدما تنبهت ان ابن خادمة منزلهن الذي مارست معه الجنس هو في الاصل اخوها). لا احد يأبى الاعتراف بظلم المجتمع وسلبه حق المرأة المغربية المسكوت عنه طويلا، ونعتقد أن السينما من أهم الوسائل التي يمكنها أن تعيد الاعتبار للمرأة بفضح الظلم الذي شاب كرامتها وإنسانيتها لكن في إطارها التاريخي من دون تجني بعيدا عن النوازع الشخصية الأنانية المتكبرة والحماس المفرط الذي يخون الحقيقة ويحرض على الخوف والقلق. وفيلم ليلى المراكشي إنما يعكس التناقض بين احترام القيم والمعتقدات وازدرائها لغرض تعميم الإدانة وتكريس شبهة النفور في الوعي. تمنينا لو أنجزت المخرجة فيلما عن الحالة المزرية لنساء المغرب اللواتي يرزحن تحت وطأة الأمية والبطالة والاستغلال الفاحش لهن من قبل الآلة الرأسمالية الامبريالية في المصانع والقطاع الفلاحي المغربي الذي بلغ حد الاسترقاق. وماذا لو أنجزت لنا المخرجة فيلما عن واقع نساء الدول الغربية اللواتي يتعرضن إلى كل أنواع الأعمال الوحشية من إذلال وإهانة؟ هل اطلعت المخرجة عن الدراسات التي ثبت بالأرقام الرهيبة والحجج حجم الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها نساء الغرب؟ لكن مخرجتنا ارتأت أن أحسن المشاريع للاستفادة من الدعم المالي (من داخل وخارج المغرب) هو أن تذرف دموع التماسيح على موضوع سهل مفعم بالعواطف المتأججة: قمع المرأة الذي يتسبب فيه الدين. وفي هذا السياق جاء فيلمها "روك دو قصبة" الذي نعتبره شكلا من إشكال "سينما الالهاء" بالوصفات والوقاحة الزائدة. وتغذي أوهام الحبل حول العنق الصورة النمطية التي تكونت في عقول بعض المستغربين والمستغربات من المخرجين المغاربة الذين لا تعنيهم إلا التبرعات والمنح الغربية لصالح تنفيذ التعليمات الغربية المتعلقة بخلخلة المجتمعات الإسلامية وبخاصة المرأة المسلمة. ويساعد على ذلك التمويل الغربي-الصهيوني للأفلام المغربية (مول فيلم ليلى المراكشي الشركتان الصهيونيتان "استريلا للانتاج" و"بروسيرب" التي يترأسها الصهيوني الن سوسفيلد) حتى يتسنى للناشطات داخل الحركة النسوية الهدامة التطبيق الحرفي لأجندة المقررات واتفاقيات المؤتمرات الدولية للمرأة. ومن المؤسف له جاهزية بعض المخرجين المغاربة، نساء ورجالا، لإفساد المجتمع وسلخه من قيمه وأخلاقه. وقد اجتمع كل من مصالح الآلة الإعلامية الضخمة التي يسيرها النفوذ الغربي-الصهيوني، مع أهداف المنخرطات في الحركة النسوية الغربية والغريبة، في تقديم صور نمطية مشوهة للمرأة المسلمة. وتدعي هذه الحركة تحرير المرأة لكنها في الحقيقة حركة انحرافية أغرقت المرأة في أوحال المتاهات الاجتماعية والهوس الجنسي والجدال التافه. ومشكلة هذه الحركة النسوية مع المرأة العربية المسلمة هو الدين الاسلامي. فهي ترى في الدين نوعا من الاضطهاد والاستغلال والمكان المتدني للمرأة في العالم العربي-الإسلامي، ولهذا السبب تريد هذه الحركة تحريرها من "أغلاله". لكن الحقيقة الغائبة هي النوايا المبيتة لهذه الحركة وهي صناعة "جيش" من النساء العربيات والمسلمات لتوسيع سوق الإنتاج والاستهلاك لبضاعة الغرب الفاسدة من أحمر الشفاه الفرنسي إلى"الجينز" الأمريكي تتحول معه المرأة إلى جسد مغر وسلعة مشتهاة متناثرة على أطراف الشوارع. وأخطر من ذلك هو استهداف الدين الإسلامي طبقا للنظرة الغربية المتأصلة التي ترى أن واحدا من الأسباب الذي أدى إلى اضطهاد النساء هو الدين الإسلامي. ونجحت بالفعل هذه الحركة في صوغ قوانين للأسرة وللأحوال الشخصية في بعض بلداننا العربية والإسلامية. فالحركة تكيل اللوم مباشرة إلى الإسلام وتحمله مسؤولية إهانة المرأة وازدراءها. والمقصود دائما من تعرية واقع المرأة العربية-المسلمة الإساءة للإسلام بأحط النعوت والتسميات كما جاء في فيلم ليلى المراكشي.