"" في مقال سابق تقاطرت الأسئلة من كل حدب وصوب وبين ثناياها حاولت الجمع بين مفردات جديدة على قاموس لغة السياسة المغربية ..فجاة ودون مقدمات بدأنا نتحدث عن حوار ومفاوضات والموضوع هو الصحراء دون غيرها ..هي هي نفس الصحراء التي أقسمنا باسمها قسم المسيرة ودفعنا من قوت يومنا ثمن الحفاظ على مغربتها ..نفس الصحراء التي راقت من أجلها دماء خيرة شباب المغرب .. نفس الصحراء التي أشعلت نار الخلاف مع الجيران..نفس الصحراء التي استعملها البعض لتكون صمام الأمان وكمامة على فم كل من يتطاول .. هكذا وبدون اية مقدمات بات الرهان على الحوار أمرا مشروعا ومشروعة كل النتائج المترتبة عنه وإلا لما أسميناه حوارا ولا أطلق على ما يحدث في ضواحي نيويورك مفاوضات. لكن كل عاقل يدرك ان أدوات الحوار في أية مفاوضات تقتضي ثلاث عناصر إذا لم تتوفر فلا فائدة ترجى منه. أ - حد أدني لا يمكن القبول بأقل منه معقول جدا ان يخفي المفاوض حدوده الدنيا وألا يدرك غريمه في المفاوضات تلك الحدود, لكن ما يحث في ضواحي نيويورك واضح للعيان فالطرفان اوراقهما مكشوفة أو بالأحرى أوراقهما كشفت حتى قبل إنطلاق الجولة فلا المغرب يملك التفريط في وحدته الترابية ولا البوليساريو يبدي استعداده لقبول حل الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية مفصولا عن باقي الحلول المفترضة الأخرى. في جملة واحدة نستطيع القول ان الأمر غير ما ظاهر فالمغرب ورغم إصراره على عدم القبول بأقل من مشروع الحكم الذاتي الموسع لن يجد حرجا في العودة إلى فرضية الإستفتاء من أجل تقرير المصير بل ولربما يكون الحوار على أشده حول ميكانيزمات هذا الإستفتاء او بالأحرى العودة إلى المربع الصفر الذي وقف عنده الطرفان مع مشروع بيكر فهل تراه البوليزاريو يخفي تنازلا على هذا المنوال ؟ وهل يركز الحوار على هذه الجزئية ليقفز الطرفان على خلافاتهما ؟ قد يكتشف القارئ الكريم أنني أتحدث عن طرفين في الحوار رغم اندهاشي الشديد من وجود الوفد الجزائري والموريتاني ..إذ ما دامت الجزائر تشدد على القول بأنها ليست طرفا في المشكل ولا تملك أن تقدم أو تؤخر في هذه المشكل فماذا يعني وجود وفدها ؟ للجواب لا أرى بدا من الجواب على سؤال طرحته في مقالتي السالفة - هل تملك الجزائر الورقة الرابحة في معادلة الربح والخسارة في قضية الصحرار وهي الحاضر الغائب ؟! بكل صراحة قد تكون كل الحلول بيد الجزائر والجميع يدرك هذه الحقيقة لأنها المتصرف الأكبر في بنية البوليساريو , تصرف أتقنت التعامل معه عبر الروموت كونترول و أوجدت له المكان والغطاء الدبلوماسي والتمويل العسكري واكتفت بالتصريح أنها لا تملك القرار باسمه لكنها لم تفوت فرصة الجلوس معه وهو يتفاوض والحرص على حسن سلوكه وعدم ضعفه امام اي مغريات كانت حتى ولو كانت هذه المغريات هي الحصول على شرعية سياسية تخرجه من مخيمات تندوف وتجمع اهاليه بإخوانهم في الصحراء. نعم تملك الجزائر القدرة على فعل الكثير كما لم يخفي الشعب الجزائري رغبته في التخلص من هذه المعضلة التي كانت وراء قطع الأرحام بين شرق المغرب وغرب الجزائر و يملك الساسة الجزائريون حرية القول بأن قضية الصحراء هي في حجمها الضيق صراع جزائري مغربي على ممر آمن تستطيع بفضله الجزائر من المرور إلى الضفة الأطلسية ومنها إلى موانئ الشاطئ الأميركي فتوفر على منتوجاتها النفطية طريقا طويلا ومكلفا .. كما تستطيع الجزائر أن تختزل الحل في ورقة واضحة المطالب تضعها على طاولة الحوار فيقضي الله أمرا كان مفعولا. ب - سقف أعلى لايمكن تقديم أكثر منه نعلم جيدا أن أكثر ما تدعي البوليساريو قدرتها على تقديمه هو طرح المقترح المغربي بالحكم الذاتي كاحد الخيارات ضمن أي إستفتاء لتقرير المصير وهي بالتالي تتعامل بذكاء مفرط فحتى مع توقع الخسارة تترك الباب مفتوحا لقبول حل تعتبره أضعف الإيمان ومن هنا ندرك أن البولساريو قادر على التعايش مع فكرة الحكم الذاتي الموسع ولكن ليس قبل التأكد من نتيجة الإستفتاء..فالبوليساريو لا تضمن ما ستحمله المتغيرات الدولية كما لا تضمن أن تتقارب وجهات النظر المغربية و الجزائرية فتجد نفسها يوما مرغمة على قبول حل استصغرته يوما متأففة وهو ما يجزم المراقبون بإمكانية حدوثه امام تزايد الضغوط الدولية على المغرب والجزائر من أجل الوصول ولو سرا إلى مسودة إتفاق يطوي صفحة الماضي ويركب البلدان قاطرة العصر لمواجهة التحديات التي يواجهانها وعلى رأسها خطر التطرف أو ما يسمى بالإرهاب. المغرب من جانبه وضع خط الوحدة الترابية بلون أحمر لا يمكن تجاوزه لكنها وحدة تقبل التفسير على عدة أشكال وأهمها ستائرها السيادة على إقليم الصحراء مع ترك مسألة تدبير الشؤون الداخلية أمرا بيد القيادات المحلية المنتخبة ولا ضير أن يكون فصيل البوليساريو أحدها وهو بالتالي يطرح صيغة معدلة لتقرير المصير لكن السؤال الأساس يظل هو هل يقبل المغرب العودة إلى صيغة الإستفتاء في محاولة لدمجها مع مشروع الحكم الذاتي الموسع ؟ البعض يعتقد أن المغرب رفع سقف مطلبه محتفظا بورقة الإستفتاء كحد أدنى فيما يعتقد آخرون أن خروج المغرب من موقع الدفاع عبر طرحه للمشروع خلق متنفسا للرباط التي لا تجد بدا من القول أن فكرة الإستفاء بكل ما يصاحبها من تعقيدات وصلت إلى النفق المسدود بل والجزم ان للجزائر صحراوييها وللمغرب صحراوييه. للجزائر البوليساريو المنادي بالإنفصال وللمغرب بوليساريو آخر ينادي بالوحدة معتمدين في رأيهم على حقيقة أن العديد من قبادات البوليساريو هم الآن في المغرب مثل بشير الدخيل وعمر الحضرمي والحكيم وغيرهم وليس غريبا أن يتنازع هؤلاء مع قيادات البوليساريو في تندوف مسالة شرعية تمثيل المنظمة أمام المحافل الدولية . ج - نقطة إلتقاء ترضي كل الأطراف وليس فقط الطرفين لعل أكثر العقبات التي تواجه هذه المفاوضات هي إيجاد صيغة مقبولة من الطرفين تتبنى الطرح المغربي ولكن بهندام يكاد يقترب من مفهوم الإستفتاء أو تقرير المصير ولعل هذا الأمر هو ما يجعل البعض يكتئب لمجرد التفكير في موضوع الصحراء إذ يغفل الجميع حقائق مفادها أن ما ينغص السبيل إلى الحل هو غياب الرغبة في إيجاده من بعض الأطراف التي لا ترى في حل المشكل أي خدمة لمصالحها وأنا هنا أستبعد النزهاء من أبناء الشعب الجزائري الشقيق كما أستبعد الشرفاء والمضطهدين من أبناء الصحراء لتبقى نقطة الإلتقاء بين الطرف المغربي والجزائري والصحراوي بشقيه الوحدوي والإنفصالي هي ضرورة الوصول إلى حل جدري وشامل عبر الحوار والحوار فقط ولو طارت معزة حل لا يمنع البوليساريو من التمتع بوطن ولا يسلب المغرب مطالبه وهنا يكمن الخلل فحتى لو افترضنا قبول المغرب بالتخلي على جزء من السيادة فإن الجزائر ستجد نفسها الخاسر الأكبر وبالتالي فإن اي تجاوب من طرفها لن يصبح ممكنا ما سيدفعها إلى عرقلة اية نقطة إلتقاء بين الطرفين . وأمام هذه الفرضية يتسائل البعض هل يفاوض المغرب طرفا حاضرا لا يملك حرية القرار ( البوليساريو ) وطرفا غائبا لا يريد الإفصاح عن مطالبه صراحة ( الجزائر ) ؟ لتبقى نقط الإلتقاء رهينة بقناعات المتفاوضين ومواقعهم قدراتهم على القرار ورغبتهم في حل المشكلة بل إن الفصل في هذه المشكلة قد يكون بيد طرف يمتلك القدرة على رؤية الصورة خارج حدود مصالحه الخاصة . فقل يلتقي الأطراف حول حل يضمن مصالح الجميع ومطالب الجميع ؟ وإذا كان الأمر كذلك وما دمنا نعرف ماهي مصالح المغرب ومصالح البوليساريو فما هي يا ترى مصالح الجزائر.؟ وأخيرا ليسمح لي القارئ الكريم أن أضع بين يده حلا إفتراضيا لا ارى غيره لهذه المشكلة إعلان الوحدة بين المغرب وإقليم الصحراء بقيادة فريقي البوليساريو الوحدوي والإنفصالي وذلك عبر صيغة دستورية تترك الحق في الإنفصال معلقا بشرط وجود إجماع شعبي عبر إستفتاء عام. (ولاية تكساس كنموذج) مع ضمان ممر للجزائر إلى الضفة الأطلسية والحر بالغمزة. مقالات أخرى لمحمد سعيد الوافي : مفاوضات نيويورك : رهان على الزمن في انتظار المعجزة