لم يُخف عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، دعمه "التام" للخطوة الحكومية الرامية إلى رفع الدعم العمومي الموجه لغاز البوتان، المرتقب تنزيلها تدريجياً في إطار إصلاح صندوق المقاصة بما يُوفر هوامش مالية ستذهب للدعم الاجتماعي المباشر للأسر المغربية (الذي ابتدأ قبل متم 2023). وفي لقاء مع الصحافيين، مساء اليوم الثلاثاء، أعقب الاجتماع الفصلي الأول لمجلس البنك في 2024، قال الجواهري: "بكل أمانة وبدون مزايدات، أنا مع الاستهداف، وفق المقاربة التي تتجه الحكومة لاعتمادها من خلال السجل الاجتماعي الموحد والسجل الوطني للسكان، من أجل توزيع الدعم الاجتماعي المباشر"، مؤكدا أن "الإجراءات الحكومية المتخذة لتنزيل الدعم الاجتماعي كلها في الطريق الصائب". والي البنك المركزي المغربي زاد بالشرح: "هذا ما يسمح بتوفير الهامش المالي قصد تمويل التغطية الصحية وتعميم الحماية الاجتماعية وتوسيعها لتكون شاملة 22 مليون مغربي"، متسائلا: "كيف ستتعامل الحكومة مع هذا الوضع؟ لأن طريقة غيرْ عْطِي عْطي، هذا الأمر غير ممكن، سيؤثر ذلك في ارتفاع معدلات التضخم". وأشاد الجواهري بانتهاج الرفع التدريجي لثمن قنينة الغاز (10 دراهم مرتقبة ابتداء من أبريل 2024) الذي تربطه الحكومة بصرف إعانات مالية مباشرة للفئات الاجتماعية الهشة المستهدفة، لافتا إلى أنها "خطوة منطقية" من شأنها تحقيق الاستهداف المنشود من الدعم. في معرض إجابته عن سؤال في الموضوع، أوضح الجواهري أنه "عند اعتماد الدعم بصفة شمولية، الكل يستفيد منه، سواء كان غنيا أو فقيرا، تتم الاستفادة بوتيرة ومستوى متشابهيْن، وهو ما يزيد من حدة التفاوتات الطبقية والاجتماعية"، قبل أن يتساءل: "متى سنَحُد من هذا الأمر؟ (...) بوطاغاز من يريد أن يشتريها يمكنه اقتناؤها بثمن واحد". وفي أعقاب انعقاد الاجتماع الفصلي الأول لمجلس البنك في سنة 2024، اليوم الثلاثاء، شدد المسؤول البنكي الأول على "أهمية وضرورة اللجوء إلى الإلغاء التدريجي لدعم المقاصة بالنظر لكونها ساهمت في تقلص نسبة التضخم إلى 2,4%"، وفق توقعات بنك المغرب برسم 2024، قبل أن يوضح أن "الحكومة لم تعمَد إلى رفع الدعم عن غاز البوتان لتمويل الحماية الاجتماعية دفعة واحدة، بل اختارت تطبيقه بشكل تدريجي". وكانت الحكومة منذ نهاية السنة الماضية قد كشفت تصورها لهندسة وتطبيق الدعم الاجتماعي بالمغرب، مشددة-غيْرَ ما مرة-على عدم إمكانية تحمّل ميزانية الدولة لتمويل دعم الأسر مباشرة مع الإبقاء على تحمّل الكلفة الكاملة لصندوق المقاصة، وذلك بالنظر إلى ضعف الإنصاف الاجتماعي لنظام الدعم الحالي على مستوى استهداف الطبقات الفقيرة والهشة. في سياق متصل، حثَّ والي بنك المغرب على الالتفات إلى "ما يقع في عدد من الدول المجاورة وكيفية تدبير اقتصاداتها وأوضاعها السوسيو-اقتصادية وإلى أين وصلت معدلات التضخم في بعضها (...)"، مردفا بالتعليق: "لا قدّر الله، لهلا يجعلنا نشوفو داكشي". وأضاف: "بكل أمانة، إذا كان سيتحقق الاستهداف الاجتماعي، يجب أن يكون مضبوطاً بما يسمح بتوفير هوامش مالية للدولة، لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها فيما يخص إيصال الإعانات المباشرة إلى الأسر الفقيرة التي تستحق فعلا". "يجب أن نَزِن الأمور ونُدقق حتى نحقق الأهداف المرجوة (...) إذا لم نقم بهذا الإجراء سندخل في حلقة مفرغة، بغض النظر عما إذا كانت هناك تلاعبات في مجال توزيع الدعم والاختلالات التي يمكن أن تشوب إيصال الدعم المباشر إلى الفئات المستحقة"، يقول الجواهري، مشيرا إلى أن "الحكومة ستشرع في تقليص الدعم تدريجيا عن المواد المتبقية في صندوق المقاصة بما لا يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة". "تقليص تعاملات الكاش" في موضوع آخر، أثار الجواهري، خلال اللقاء الصحافي ذاته، مسألة "التفضيل المستمر للمغاربة للأداء نقداً "الكاش" على حساب التعامل المالي الرقمي/الإلكتروني"، وقال إنه "موضوع تفكير داخل هياكل البنك المركزي بشكل جعلَه يستنفر مصالح الأبحاث والدراسات بالبنك لإجراء دراسات معمقة وأبحاث بهدف فهم العوامل المؤثرة في هذه الظاهرة". ولم يُخف والي بنك المغرب التوجه المتصاعد بقوة نحو "الدفع نقدا"، معتبرا أنه في "ازدياد سنة بعد سنة". وقال معلقا: "في الماضي، كان لا يتجاوز 6 أو 7 في المائة، وهذا مقبول نظرا للزيادة الديمغرافية، ولكنه لم يعد مقبولا مع وصوله إلى نسب مرتفعة تتجاوز 11 بالمائة". الجواهري كشف في معرض جوابه عن سؤال في الموضوع "أهمية تركيز أبحاث ودراسات خبراء البنك المركزي على هذه النقطة لإجراء دراسة معمقة تكشف العوامل التي تدفع المواطنين لاستخدام الكاش". وأشار إلى "استمرار وتداخُل" مجموعة عوامل مفسرة محتملة لتصاعد استخدام المغاربة ل"الكاش"، معددا "انتشار القطاع غير المهيكل وغياب الثقة والخوف من الضرائب، مع عوامل أخرى تشجع المواطنين على استخدام النقود عوضاً عن الأداء بشكل إلكتروني"، قبل أن يدعو الدولة إلى "تشجيع استخدام العملات الرقمية عبر تقديم تحفيزات". كما أكد ضرورة تقوية أكبر لوسائل "الثقافة المالية" لنتمكن من "تعزيز الوعي المالي وتوعية المواطنين بحملات إعلامية عن فوائد المعاملات الإلكترونية مالياً"، مستحضِراً "إطلاق حملات باللغات الدارجة والأمازيغية لهذا الغرض". وكانت أحدث بيانات بنك المغرب قد أقرّت بارتفاع استخدام المغاربة "الكاش" ليصل مستوى قياسيا مع متم العام الماضي، بحيث "بلغ حجم النقود المتداولة خلال العام الماضي 354.8 مليار درهم، بنسبة نمو قاربت 11% على أساس سنوي". الديون متعثرة الأداء وبشأن "الديون معلقة أو متعثرة الأداء" (créances en souffrances)، كشف والي بنك المغرب أنها تظل "موضوعاً إشكالياً جد مهم"، مؤكدا "انعقاد اجتماع مؤخرا في الموضوع ضم لجنة مكونة من جميع الجهات والأطراف المعنية". ونظرا ل"الأهمية الحاسمة لهذا الملف"، أكد الجواهري إشراك الجميع بشأن هذا الموضوع في اجتماع ضم جميع أصحاب المصلحة، "بما في ذلك النظام البنكي الوطني ومؤسسات الأداء المالية والوزارات ذات الصلة، فضلا عن مديرية الضرائب". وقال: "لقد أخذنا في الاعتبار تعليقات وملاحظات جميع الأطراف الفاعلة المعنية والمتدخلين من أجل تحقيق الانتهاء التدريجي من حل الملف... نحنُ في ال 100 متر الأخيرة".