من جنيف، شدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، على ضرورة "إصلاح وتجديد أساليب عمل مجلس حقوق الإنسان"، مؤكدا أنه "من هذا المنطلق ستَعمل المملكة المغربية، خلال رئاستها السنوية 2024 لمجلس حقوق الإنسان الأممي، على إطلاق مجموعة من المبادرات؛ أولُّها الدعوة إلى عقد دورة استثنائية للمجلس حول موضوع توافُقي يتم اختياره بالتشاور مع كل الأطراف". كما كشف بوريطة، خلال حديثه في الاجتماع الرابع أمام أعضاء المجلس في دورته ال55، عن مبادرة "احتضان المغرب خُلْوة لمجلس حقوق الإنسان لتقييم فعاليّته ورسم توصيات عملية كمُساهمة في مسار مراجعة أساليب عمله المرتقبة سنة 2026′′، مضيفاً إليها "إطلاق مبادرة، مع مجموعة من الشركاء، حول المرأة في العمل الدبلوماسي؛ خصوصاً في مجال حقوق الإنسان". ولم يدَع وزير الخارجية المغربي مناسبة حديثه أمام أعضاء المجلس ال47 تمرّ دون "تأكيد دعم المملكة المغربية المفوض السامي لحقوق الإنسان لإنجاح مبادراته ذات الأولوية"، وفق تعبيره. مبادئ الدبلوماسية المغربية "انطلاقا من مكتسبات البلد الحقوقية، وفقاً لالتزاماته الدولية، ستنخرط الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان، بالمبادئ والقيَم نفسها التي عُرفت بها الدبلوماسية المغربية، بتعليمات من الملك محمد السادس، وعلى رأسها المصداقية في الأداء والدينامية في العمل والابتكار في الأساليب والسعي إلى التوافقات البنّاءة لتحقيق الأهداف النبيلة التي تم من أجلها إحداث هذه الهيئة الموقّرة"، يقول بوريطة. وتابع الوزير متحدثا عن "انعقاد الدورة ال55 لمجلس حقوق الإنسان الأممي في سياق دولي معقّد يطرح تحديات عصيبة، أهم تجلياتها الاستقطاب الحاد الذي يقوّض دعائم التوافق العالمي الكفيل بتعزيز حقوق الإنسان، واستمرار الانتهاكات الجسيمة لهذه الحقوق في العديد من مناطق العالم، مع تراجع المكتسبات العالمية، كالتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووضعية المهاجرين (...)"، مشددا على خطورة "تصاعد خطاب الكراهية والإقصاء ورفض الآخر". هذا السياق الصعب، وفق المسؤول الحكومي المغربي، "بقدْر ما يسائل مصداقية النظام متعدد الأطراف بقدر ما يُبرهِن على مدى وجاهة قرار إحداث هذا المجلس، الذي يقف اليوم في مفترق طرُق بعد 18 سنة من إنشائه، ومساهمته كمنتدى محوري في النهوض بحقوق الإنسان عبر الدول". وفي لهجة "انتقاد مبطَّن"، قال بوريطة: "في المقابل، رغم الإنجازات المتميزة التي حققها المجلس منذ إنشائه فهو يُواجِه تحديات تُعيق مسيرته؛ فمجلس حقوق الإنسان الذي تم إنشاؤه بهدف الحد من التسييس والانتقائية وسياسة الكيل بمكياليْن يشهد حالياً محاولة استغلال بعض القضايا وتحريفها عن أهدافها من أجل خدمة أجندات لا علاقةَ لها بحقوق الإنسان"، متسائلا: "كيف لمؤسسة ينبغي أن تعتمد في عملها مبادئ التعاون والحوار، وأكثرُ من ثلُث قراراتها تعتمد بالتصويت، مثالا للإجماع والتوافق في بداياته.... كيف لمؤسَّسة ملزمة بالنظر في قضايا حقوق الإنسان وفق مبادئ العالمية واللاانتقائية ألا تعقِد سوى دورتين استثنائيتيْن بطبيعة موضوعاتية مقابل 34 دورة استثنائية خُصصت لحالات حقوق الإنسان في دول أو مناطق معينة (بمعدل 95% من الدورات الاستثنائية)؟". كما انتقد بوريطة "عدم توفر مجلس جنيف على موارد لازمة لتحقيق غايات عمله رغم أنه من الركائز الثلاث للأمم المتحدة". "تجربة العدالة الانتقالية نموذجية" وزير الخارجية عاد إلى "انتخاب المملكة المغربية لأول مرة في تاريخها"، الذي شكل بحسبه "اعترافا دولياً بالتزام المغرب الراسخ، وفق التوجيهات السامية للملك محمد السادس، بالنهوض بحقوق الإنسان على المستوى الوطني والإقليمي والدولي؛ فبفضل الرؤية الملكية المتبصرة قطَع المغرب أشواطا مهمة لتعزيز حقوق الإنسان عبر تنزيل أوراش ومبادرات نوعية". كما استعرض الوزير "التجربة المغربية في العدالة الانتقالية، من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة التي يخلد المغرب ذكراها العشرين هذه السنة، وتُعتبر نموذجا يحتذى به على المستوى الدولي"، معرجاً على "ورش تعديل مدونة الأسرة ك'محطة فارقة' في مسار ترسيخ القيم الدستورية الأساسية للتمكين الكامل للمرأة وإرساء المساواة وضمان حقوق الطفل ومصلحة الأسرة؛ في حين أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية وتعميم الحماية الاجتماعية كلُّها وراش ملكية تضع المواطن المغربي في صلب توجهات برامج التنمية المستدامة". "وقف فوري لحرب غزة" الأوضاع المتدهورة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 لم تغبْ عن حديث بوريطة أمام المجلس الحقوقي الأممي، مستحضراً أن "غزة تعيش أزمة غير مسبوقة وكارثة إنسانية حقيقية لا يمكن للمجتمع الدولي مواصلة غضُّ الطرف عنها؛ ما جعل الملك محمدا السادس رئيس لجنة القدس يدعو إلى صحوة الضمير الإنساني لوقف قتل النفس البشرية التي كرّمها الله". وقال الوزير بهذا الشأن: "لن يتم ذلك إلا بالوقف الشامل والفوري للحرب الإسرائيلية وضمان حماية المدنيين ووقف القصف العشوائي للمستشفيات والمدارس ودور العبادة، وإيصال مساعدات بكميات كافية"، مشددا على ضرورة حماية الفلسطينيين من التهجير، وداعيا إلى "إرساء أفق سياسي كفيل بإنعاش حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس".