يحظى الإعلام في المغرب بموقع دستوري مهم، تطورت مكانته على مر التاريخ، علاقة بمختلف المراجعات الدستورية التي عاشتها بلادنا، حيث أفردت الدساتير المغربية مواد وفصولا للإعلام منذ النشأة الدستورية الأولى، أي منذ مشروع دستور 1908 إلى الدستور الجديد لسنة 2011، الذي أعطى مكانة جد هامة للإعلام بجميع مكوناته من المرئي والمسموع إلى المكتوب وكذلك وسائل الإعلام الحديثة المرتبطة بالتطور التكنولوجي في القرن الواحد والعشرين، الذي أضحت فيه مجالات النشر وانتشار المعلومات والأخبار جد واسعة، في الوقت أيضا الذي ازداد فيه التأثير الإعلامي القوي على الشعوب والمجتمعات، ومنه بلغ الإعلام ذروته من خلال التعددية التي تسائل نفسها اليوم بحثا عن الاستقلالية والدعم المادي والمعنوي، ارتباطا أيضا بالمستوى الثقافي والتعليمي لجميع الفئات الشعبية. وقبل التطرق لمقتضيات الدستور الجديد في هذا المجال، نعرج على الإشارات القوية التي أتت بها الدساتير السابقة له انطلاقا من مشروع دستور 1908 الذي ولد وأقبر أربع سنوات قبل فرض الحماية الفرنسية على المغرب وبداية حقبة الاستعمار الفرنسي للمغرب سنة 1912، هذا المشروع الدستوري الذي صدر عن جريدة لسان العرب الأسبوعية في سنتها الثالثة لمالكها السيد فرج الله تمور بمدينة طنجة، في أربعة أعداد متتالية، ذلك المشروع الذي أثار جدلا سياسيا، تكون المسافة الزمنية بينه وبين يومنا هذا 104 سنوات، كان قد نص في مادته الثالثة عشرة من خلال ما خصصه من حقوق لأبناء الدولة الشريفة وواجباتهم العامة ما يلي: "يحق لكل مغربي أن يتمتع بحريته الشخصية بشرط أن لا يضر غيره ولا يمس حرية الغير" مؤكدا في المادة الرابعة عشرة على: "أن الحرية الشخصية تقوم بأن يعمل كل واحد ما يشاء ويتكلم ما يشاء ويكتب ما يشاء مع مراعاة الآداب العمومية" في إشارة قوية إلى حرية التعبير والكتابة. ليأتي الدستور الأول للمملكة المغربية الرسمي المعلن عنه في سنة 1962 في بابه الأول حول الأحكام العامة والمتعلق بالمبادئ الأساسية في ما يتصل منها بحقوق المواطن السياسية في الفصل التاسع منها من خلال نقطة تشير إلى "ضمان حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع" ويضيف في الفصل الحادي عشر "لا تنتهك حرية المراسلات" وهو ما حافظت عليه دساتير سنوات 1970 و1972 و1992 و1996 دون زيادة ولا نقصان، مما يحيل على أن الإعلام كان مقيدا من طرف أسمى قانون في الدولة ارتباطا بتأويل النص الدستور في كل الاتجاهات، حتى بحضور القوانين التنظيمية والمساطر المدنية والجنائية التي تطرقت إليه، وهي صورة توضح حدود ومكانة الإعلام في هذه الدساتير بالمقارنة أولا مع مشروع دستور سنة 1908 الذي كان متقدما نوعا ما في هذا الاتجاه، وثانيا مع المتغيرات التي حصلت منذ سنة 1999 في ظل تولي الملك محمد السادس لعرش أسلافه، ومع أول حكومة للتناوب شارك فيها اليسار المغربي وقادها لأول مرة، لما بدأ الحديث عن ضرورة تعديل القانون المنظم للمجال الصحافي والإعلامي الذي صدر بمقتضى ظهير شريف رقم 1.58.378 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1378 الموافق ل 15 نونبر 1958، المنسوخ والمعوض بمقتضى الظهير رقم 1.02.207 الصادر في 25 رجب 1423 الموافق ل 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 77.00 – المادة 1، وما تلا ذلك من اهتمام بالمجال الإعلامي توج بتأسيس المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري سنة 2005 المعروفة اختصارا باسم "الهاكا"، التي اعتبرت إحدى ثمار عصر الانفتاح والتعددية الإعلامية، والأفق المشرق للمجال الصحفي في عهد وزير الاتصال السابق محمد نبيل بنعبد الله. هذا التطور الملحوظ والاهتمام المتزايد بأهمية الإعلام ودوره التنموي على كافة الأصعدة والمستويات، وما حدث من تحولات سياسية عاشها العالم بأسره، وتعايشت معها العديد من المجتمعات من خلال التطورات التي لحقت كل المجالات الحيوية للسير العام للدول ومن بينها الدول النامية والسائرة في طريق النمو، والمرتبطة بالدول المتقدمة إما بسبب القرب الجغرافي، أو بسبب مؤثرات ومخلفات الحقب الاستعمارية، إلى حدود نهاية سنة 2011 وبداية سنة 2012 وما عاشته الدول العربية من انتفاضات شعبية شبابية تبحث عن الحرية أولا وأخيرا في ارتباط بالمجالين السياسي والديمقراطي لتحقيق النماء والرخاء، في ظل ما سمي بالربيع الذي أطاح بعدة أنظمة ديكتاتورية واستبدادية، وخلق تحولا نوعيا في مجال الحريات كان بطلها "فاسبوك" لتسمى ب"الثورات الفيسبوكية"، وما يرمي إليه ذلك في رمزيته وأبعاده من جهة دور الثورة التكنولوجية اليوم في المجال الإعلامي والمساهمة في الرقي بقدراته المؤثرة، جعل المغرب يعيش حراكا مهما هو الآخر مع حركة 20 فبراير 2011، التي ساهمت إلى جانب كل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني، عبر ترصيد التراكم السياسي الكبير لليسار المغربي والاستثمار فيه، في حدوث إصلاح دستوري شامل أعطى لمجال الحريات مكانة كبيرة، حيث شكل الإعلام إحدى النقط المضيئة في الدستور الجديد والتي نتطرق إليها بالتحليل كما يلي: لقد مهد الدستور الجديد للدولة المغربية لسنة 2011 في بابه الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية والذي ضم 21 فصلا (من الفصل 19 إلى الفصل 40) لمجال الحريات الشخصية الفردية والجماعية في الفصل الرابع والعشرين مشيرا إلى عدم انتهاك سرية الاتصالات الشخصية، مقيد ذلك عبر المقتضيات القانونية، ليبرز في الفصل الخامس والعشرون اللاحق على سابقه مسألة ضمان حرية الفكر والرأي والتعبير وكفالتها بكل أشكالها، ويشير في الفصل السادس والعشرين إلى التزام السلطات العمومية بدعم وتنمية الإبداع الثقافي والفني عبر كل الوسائل الملائمة، ويضيف مؤكدا في الفصل السابع والعشرين على أهمية وصول المعلومات للمواطنين عبر إسناد حق دستوري للمواطنين والمواطنات في الحصول على كل المعلومات الصادرة عن جميع المؤسسات، هذا الحق الذي لا يمكن تقييده إلا بمقتضى القانون، ويأتي بعد ذلك متحدثا عن المجال الصحافي صراحة في الفصل الثامن والعشرين وينص على ما يلي: "حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية مضيفا أنه للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة، كما أشار إلى تشجيع السلطات العمومية لسبل تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به، مع الالتزام بم يحدده القانون من قواعد تهم تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها، مع ضمان الاستفادة من هذه الوسائل، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي" ويختم في هذا الفصل ب "وتسهر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على احترام التعددية وفق أحكام الفصل 165 من الدستور"، وقبل التطرق لأحكام هذا الفصل لا بد من التأكيد على أنه ولأول مرة في التاريخ الدستوري للمغرب تعطى مثل هاته الأهمية الدستورية للإعلام، ويمكن استخلاص مسألة جد هامة تتعلق بمدى حصول المتغير الحقيقي لدى جميع الفاعلين في الدولة، بداية برمزية انطلاق الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية بالفصل رقم 19 وما كان يشكله هذا الفصل من قوة جعلته ينعت بدستور داخل الدستور السابق لسنة 1996، فيعطى هذا الرقم لمضمون دستوري مهم ألا وهو مجال الحريات والحقوق، التي تعد محورا أساسيا للتحول والتطور الديمقراطي الذي كان مقيدا في ما سبق، ومرورا بواقعية الفصول المفردة للإعلام في دعمه وتأطير مجالاته واستقلاليته وحريته، وانتهاء بمدى الجدية في إيلاء العناية الفائقة لهذا المجال الحيوي من طرف اللجنة الاستشارية التي أعدت الدستور الجديد لسنة 2011، باستحضار ما قدمته لها الهيئات السياسية والنقابية والمدنية من مذكرات أعطت المكانة اللائقة للإعلام بشتى أنواعه، ليتم بعد ذلك دسترة مجال المراقبة عبر الدور المنوط بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي تمت دسترتها من خلال الباب الثاني عشر في ما يتعلق بالحكامة الجيدة التي ضمت 17 فصلا، إذ أن من أهم ما تمت الإشارة إليه هو هيئات الحكامة الجيدة والتقنين، والتي أعطى الدستور الجديد من خلالها "الهاكا" الأولوية في الفصل 165 منه الذي حدد مهامها في ما يلي: "تتولى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري السهر على احترام حرية التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة". وهنا يتأكد مدى أهمية تطوير المجال الإعلامي وعقلنة تدبيره بما يخدم مجال التنمية بدءا بتأسيس الهيأة منذ الوهلة الأولى ووصولا إلى دسترة مجال عملها. عموما إن الفضاء الدستوري لمغرب اليوم قد حدد للإعلام مجال أوسع وأرحب لعمله، وشكلت المقتضيات الدستورية التي جاء بها الدستور الجديد لسنة 2011 قاطرة أساسية للنهوض بهذا المجال الحيوي والرقي به، والذي لا بد للعاملين فيه والمرتبطين به أن يعيشوا هم كذلك هاته اللحظة التاريخية، منخرطين في البلورة القانونية اللاحقة عن المقتضيات الدستورية على أرض الواقع، حتى نصل في النهاية إلى حضور قوي للإعلام في المجتمع بمقياس حضوره دستوريا، وذلك أمر تفرضه الظرفية السياسية والاجتماعية لعصرنا هذا، بما يخدم مجالات التنمية على كافة الأصعدة ومختلف المجالات، والحاجة اليوم ماسة إلى إعلام معقلن راشد ومُرْشد، مُطَوَّق بميثاق الأخلاقيات العامة، إعلام مُحَدِّد ومُوَجِه يرفع من منسوب التواصل القوي المبني على مبدأ الحق في المعلومة، وفق مضامين القانون رقم 13.31 المتعلق: "حق الحصول على المعلومات بالمغرب"، ومنه يُستخلص دور كل الهيئات والمجالس والمؤسسات المعنية بدور التأطير والإشراف وتنزيل المقتضيات القانونية، ومنه أيضا يبرز العمل الجاد لحصول المتغير الأساس من وراء الانفتاح والتعددية والاستثمار في الثورة التكنولوجية، من أجل بلوغ الأهداف المثلى في تحقيق الاشعاع الإعلامي لمختلف مؤسسات الدولة، والرفع من جودة الفعل والتفاعل في مشهدنا الإعلامي بكل حيوية وتميز.