في خطوة جديدة تكشف عن حجم التناقض وأزمة الخطاب السياسي الذي تتخبط فيها النخب السياسية والحزبية الجزائرية، وجه عبد القادر بن قرينة، الوزير الجزائري السابق والرئيس الحالي لحزب "حركة البناء الوطني" المحسوب على النظام، رسالة إلى المغاربة في مقطع فيديو من حدود بلاده مع المملكة المغربية، مدعيا أن "الجزائر لم يسبق لها أن صدرت للمغاربة الإرهاب أو المخدرات ولا استقبلت إرهابيين على أراضيها من أجل استهداف أمن المغرب، ولم ير المغاربة دائما من الجزائر إلا الخير ولن يروا فيها غير ذلك"، بتعبيره. بن قرينة، المعروف بولائه لنظام الجنرالات ومواقفه المعادية للوحدة الترابية للمغرب، نصب نفسه محاميا للمؤسسة العسكرية الجزائرية، رافضا إطلاق تسمية "الكابرانات" على القيادات العسكرية في بلاده، إذ قال إن "رئيس الجمهورية والجنرالات ورؤساء الحكومات والوزراء والولاة كلهم جنود ملتحمون مع أبناء وطنهم، لكنهم أسود ضد أعدائهم وخصومهم". ولم يقف المسؤول الحزبي الجزائري ذاته عن هذا الحد، بل أعاد اجترار خطاب قصر المرادية القائم على "شيطنة" الآخر ونظرية المؤامرة واستهداف الأمن القومي الجزائري، إذ قال: "إن أيادينا مفتوحة للشعب المغربي وليس للنخبة المتصهينة التي وضعت يدها في يد الصهاينة"، متهما المغرب بتهديد أمن بلاده من خلال التحالف مع إسرائيل والتخطيط ل"بناء مركز تجسس على الجزائر بالتعاون مع تل أبيب في مدينة وجدة"؛ دون أن يخلو خطاب رئيس حزب "حركة البناء الوطني"، المرشح السابق للرئاسة الجزائرية، من محاولة تحريض الشعب المغربي ضد حكومته في هذا الإطار. وتفاعلا مع هذا الموضوع قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن "خرجة بن قرينة تندرج في إطار الخرجات الفولكلورية المعروفة عن هذا الرجل الذي كان وزيرا في عهد بوتفليقة"، مشيرا إلى أنه "كان الأجدر ببن قرينة عوض مخاطبة شعب بلد آخر بهذه الطريقة المنحطة وغير المحترمة أن يخاطب الشعب الجزائري أولا، انطلاقا من مسؤولياته السياسية والحزبية، وأن يقترح عليه حلولا للكوارث الاجتماعية والاقتصادية التي حلت به، وليس تبييض وجه النظام وإعادة إنتاج خطابه نفسه؛ وإلا ما فائدة الأحزاب في الجزائر إذا كانت ستعيد إنتاج الخطاب واللعبة السياسية نفسهما؟". وأضاف بن زهرة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "ادعاء رئيس حركة البناء الوطني أن الجزائر لم ولن تضر المغرب كلام يفنده الواقع والمعطيات على الأرض، حيث النظام الجزائري لا يضر المغرب فقط، وإنما المنطقة ككل؛ ولعل حجم الأزمات التي افتعلها هذا النظام مع دول الجوار في الآونة الأخيرة لأكبر دليل على ذلك، ويبقى المغرب من أكبر المتضررين من سياسات العسكر الذين ينفقون ملايير الدولارات لتمويل جماعة في تندوف تهدد الأمن القومي المغربي، بل الأمن القومي المغاربي ككل". وحول علاقة هذه الخرجة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر، أوضح المتحدث ذاته أن "كل ما يحدث في الأشهر الأخيرة على الساحة السياسية الجزائرية مرتبط بتناطح وصراع الأجنحة داخل النظام، إذ يحاول كل المرشحون على مقربة من الاستحقاقات الرئاسية تقديم أوراق اعتمادهم للعسكر الذي يتحكم في العملية الانتخابية، وغالبا ما يتم ذلك من خلال التسابق في محاولة التماهي مع أطروحة النظام في علاقتها بالقضايا الداخلية والخارجية من أجل نيل رضاه وتزكيته". وخلص الناشط السياسي الجزائري المعارض إلى أن "الخطاب الذي يدعي وجود تهديد إسرائيلي مغربي للأمن القومي الجزائري هو خطاب ألفنا سماعه من طرف الإعلام والنخب المناصرة للنظام؛ ثم إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد رسائل موجهة بالأساس للاستهلاك الداخلي، في محاولة لتزكية فكرة أن بقاء هذا النظام يمنح الأمن والأمان للجزائريين ويدفع عنهم المؤامرات الخارجية، في حين أن الحقيقة المُرة هي أن النظام الجزائري هو الذي يتآمر على الجزائر وعلى الشعب الجزائري".