بعبارة "Ooops, there you go!" يخاطب محمد بلحاج أحد زبائنه، بلغة إنجليزية فصيحة، وهو يقدم له كتاب "The Devils" (الشياطين)، النسخة الإنجليزية لرواية فيودور دوستويفسكي، الروائي الروسي الشهير خلال القرن التاسع عشر. عن عمر يناهز 83 عاما، يضع بلحاج يده ببراعة على رفوف متجره لبيع الكتب الإنجليزية الكائن بشارع اليمامة، غير بعيد عن صخب وسط مدينة الرباط. كتاب "الشياطين" ليس سوى واحد من آلاف الكتب الأخرى التي يعتني بها هذا الرجل الثمانيني، وكأنها مجوهرات، خلف نظاراته البيضاوية الصغيرة. قد يغيب عن ذهنه عنوان كتاب معين، لكن ذاكرته مازالت تحيط بأسماء جل المؤلفين. ولعل خير دليل على ذلك هو اكتظاظ متجره بعشاق القراءة والكتب، مغاربة وأجانب، يبحثون عن مؤلف نادر باللغة الإنجليزية. ويعرض هذا المتجر كتبا باللغة الإنجليزية في مجال العلوم السياسية والعلوم الإنسانية والإعلام والتاريخ، ولا سيما عن التاريخ الإسلامي، والأنثروبولوجيا وتاريخ المغرب، فضلا عن روايات وقصص مثيرة لبعض أشهر الكتاب العالميين. بعينين ما خبا بريقهما، وجسد نحيف، لا يبخل بلحاج، المتذوق الرفيع لما تختزنه كتبه، عن تقديم النصح لكل من زار "مخبأه"، المرتب بعناية، بحثا عن كتاب معين. لكن، من أين للرجل هذا الشغف بالكتب إلى درجة جعل منه سبب وجوده؟ يجيب في تصريح صحافي ابن مدينة فاس الذي ينحدر من أسرة محافظة جدا، الذي انجذب إلى الكتب لأول مرة في ريعان طفولته، بأن "كل شيء بدأ مع رواية [رد قلبي] للكاتب المصري الشهير يوسف السباعي، التي أدخلتني عالم متعة القراءة". ويتابع المتحدث نفسه: "مع مرور السنوات، ازداد شغفي بالكتب وأصبح أكثر حدة بالقراءة لمؤلفين آخرين". وفي مشهد يحيل على المحلات القديمة لبيع الكتب، لا يفتقر متجر بيع الكتب الإنجليزية مع ذلك إلى الروح أو الجمالية، فهذا الرجل يكاد يتنفس الكتب، ولا يهتم إلا بكتبه وزبائنه، وبالكاد يلقي بالا للضوضاء المحيطة به. "أنا مقتنع بأن هذا الرابط السحري مع الكتاب لا يمكن تعويضه"، هكذا تابع قوله غير مكترث، وبنظرة تلامس بعشق هذا الإرث الأدبي الذي يجعله في متناول كل الزبائن. ويعتبر بلحاج أن "من الضروري الارتواء من الأدب والمعرفة مثلما نرتوي من الماء الزلال"، معززا ذلك بقوله إن "الكتب لا تشيخ"، وإنما تعبر من جيل إلى آخر. وبخصوص ميله المبكر للغة شكسبير، يقول بلحاج: "لاحظت خلال أسفاري إلى الخارج، ولا سيما بأوروبا، أن اللغة الفرنسية، على خلاف اللغة الإنجليزية، ليست لغة عالمية". وفي عام 1985، بعد إقامة لغوية في بريطانيا، قرر فتح متجر لبيع الكتب باللغة الإنجليزية، هو الأول والوحيد في مدينة الرباط. واستمرت هذه المغامرة الرائعة متحدية الثورة الرقمية. فبدون حضور على شبكات التواصل الاجتماعي، تتواصل الزيارات الفعلية وغير الافتراضية. كثير من الطلبة، والأساتذة، والكتاب يزورن مكتبة بلحاج للتزود بالكتب، علما أنه يسعى جاهدا أيضا لنقل هذا الشغف بالكتاب للأجيال القادمة.