النساء القرويات لم يعتدن تلقي الورود وإن كانت الطبيعة تكرمهن كل يوم، فهن محاطات دائما بألوان تصل حد الفتنة في تناسقها. خضرة وأزهار وماء وسماء ، يعشن بذخ الألوان في لا شعورهن فيطفو على سطح أناملهن ليعطينا الزربية بألوانها البهيجة وتناسقها، وتطريزاتهن البسيطة الضاجة بالألوان،وذوقهن في اختيار ألوان ألبستهن وأغراضهن، يملن بفطرتهن إلى الألوان التي تؤثث الطبيعة المحيطة بهن فيصبحن فنانات بالفطرة، كل ما يخرج من بين أيديهن سواء صنعة أو طبخا يثير الحنين والذكريات المحفوظة عن أمهاتنا وجداتنا ويجعلنا نحس بالدفء ونسترجع طفولتنا. "" لكن هؤلاء النسوة مظلومات حتى النخاع ، يظلمهن الزوج والأخ والمجتمع والحكومات المتعاقبة، لا تسمع شكواهن ، يواصلن الحياة بصبر جميل ويورثن المعاناة لبناتهن، يناضلن من أجل لقمة العيش، ويعشن على هامش القرن الواحد والعشرين منسيات في مناطقهن المنعزلة ،لا علم لهن بوصول المرأة إلى الحكومة وتنصيبها وزيرة ،ولا بالجمعيات التي تدافع بشراسة عن حقوق النساء، لا يهب النسيم العليل لهذه المكاسب التي حققتها النساء على معاناتهن فيرطب أيام محنهن المتواصلة . يعشن شبه اليقين بأن حالتهن متوارثة أما عن جدة ، رغم انتفاضاتهن النادرة، لكنها تبقى انتفاضات على هامش المغرب المنسي أما عمق هذا المغرب فلا علم لنسائه بما يجري ولا يتفضل أحد بتمكينهن من بعض ما هو موجود . إنني أستحي مكان أولئك النسوة اللواتي يقدن الجمعيات و يتباهين في تصريحاتهن بإنجازاتهن ونساء في المغرب لا زلن يحددن الوقت بحركة الشمس والفجر بصياح الديكة ولا يعرفن البوتاجاز ولا الكهرباء ولا الصنبور ، حاملات للأثقال بامتياز، من حزم الحطب إلى قلل الماء . مهمشات مهددات بمخاطر عدة تميتهن الولادة المتعسرة لعدم وجود مستشفى أو طريق معبدة توصل لهذا المستشفى، يقتل أطفالهن الإسهال ويعشن أميات جاهلات تصل أميتهن إلى °/°95 في بعض المناطق، يفتقرن إلى أبسط الحقوق ، يضربهن أزواجهن وإخوانهن الذكور والضرب شيء متوارث وعادي في ثقافة هؤلاء. هؤلاء النسوة محرومات من التمدرس، وإن توفرت المدرسة فهي بعيدة ،تجعل الآباء يمنعون بناتهن من التوجه إلى المدارس خوفا عليهن من التلاميذ الذكور أو من الذئاب البشرية ، هذا إن توفرت المدرسة أما إن لم تتوفر فإن الذكور من لهم الحق في التوجه إلى الكتاتيب القرآنية أما الفتاة فتلتحق بأمها لتساعدها في أعمالها اليومية . نساء المغرب المنسي يعملن بجد وجهد ، وتستنزف طاقتهن في عمل شاق من الفجر إلى الليل، يحلبن ويكنسن الزرائب ويحملن الحطب على ظهورهن وكأنهن دواب ويجلبن الماء من العيون البعيدة ويعددن الطعام ويحصدن ويغسلن الصوف ويغزلنها ويجلسن أمام المنسج لصنع الزرابي ليساعدن في مصروف البيت لأن المداخيل شحيحة وقليلة. هؤلاء النسوة بمغربنا المنسي يعملن أضعاف ما يعمله الرجال ،مستغلات إلى أقصى حد ، الرجل يكتفي بالرعي والحرث أما تنقية الحقل من الأعشاب الضارة وجمع المحصول فتتكفل به النساء في الغالب، هذا إذا كان فعلا هناك محصول لأن معظم المغرب المنسي ذو طبيعة جبلية أو صحراوية متوغلة في البعد عن المركز وعن الأراضي الخصبة.رجال المغرب المنسي لما تنتهي أعمالهم يجتمعون للتحدث أو لعب الضامة أو الجلوس أمام المسجد في انتظار أوقات الصلاة. المرأة تعمل اليوم بطوله وتنجب الكثير من الأطفال الشيء الذي ينهكها، وتعاني من مضاعفات الوضع في البيت وإذا حصل وكانت الولادة متعسرة فإنها تصبح مهددة بفقدان حياتها فالمستشفى بعيد، والطرق غير معبدة فتموت فعلا في أحيان كثيرة، نتيجة نسيانها ونسيان منطقتها ، إنها من تؤدي في الغالب ضريبة هذا الإهمال الذي انتهجته الحكومات المتعاقبة والجمعيات النسائية ، وهذه الضريبة قد ترتفع فاتورتها لدرجة تقديم حياتها ثمنا للتهميش الذي تعيشه كواقع يومي يشد عليها كالكماشة لا يريد فكاكا. هناك مناطق كثيرة في المغرب تعيش فيها النساء خلف الشمس،على الجميع أن يبحث عنها ليقف على معاناة كل هؤلاء النساء المنسيات و فك عزلتهن على كل المستويات وجعلهن يعشن بكرامة، فإلى متى ستظل معاناتهن ؟ومتى يعشن كسائر البشر المنتمي لهذا القرن ؟. [email protected]