أجمع محامون وفاعلون حقوقيون شاركوا في ندوة نظمتها منظمة العمل الوطنية من أجل فلسطين، اليوم الخميس حول موضوع "المحكمة الجنائية الدولية وحرب الإبادة الجماعية على غزة"، على أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر ترقى إلى جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. جرائم كاملة الأركان جاءت هذه الندوة، بحسب منسق مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، عبد القادر العلمي، في إطار المبادرات التي تنظمها المجموعة "دعما للشعب الفلسطيني في ممارسة حقه المشروع في مقاومة الاحتلال، وتحسيسا بخطورة ما يتم ارتكابه من جرائم على أرض فلسطين، ولا سيما في غزة". وقال العلمي إن الكيان الإسرائيلي "ارتكب جميع أنواع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب"، مضيفا أن "قتْل المدنيين والأطفال والنساء واستهداف المستشفيات والمدارس والمساجد ثم جريمة التشريد والتجويع والحصار، هي جرائم حرب". وأردف العلمي أن "أقوى الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني على أرض فلسطين هي جريمة الإبادة الجماعية المنصوص عليها في اتفاقية دولية اعتمدتها الأممالمتحدة بتاريخ تاسع دجنبر عام 1948، أي يوما واحدا قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي جريمة تتعارض، بمقتضى القانون الدولي، مع روح الأممالمتحدة وأهدافها، ويُدينها العالم المتمدّن". وتساءل المتحدث ذاته: "أين هو هذا العالم المتمدن الذي يدين جرائم الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؟"، و"هل ستضطلع محكمة العدل الدولية بممارسة اختصاصاتها المثبتة في نظامها الأساسي أم إننا سنكون مرة أخرى أمام ازدواجية المعايير؟". وتابع العلمي بأن "الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني هي جرائم كاملة الأركان؛ فالركن المادي هو ما يشاهده العالم على الشاشات، والركن المعنوي يتجلى بوضوح في تصريحات قيادات عسكرية وسياسية في الكيان الغاصب. وأمام وضوح هذه الجرائم البشعة التي يشهد عليها العالم، لا يبقى إلا أن يكون هناك جزاء وعقاب للمتورطين فيها". جريمة متعددة الأبعاد عمر بنجلون، محام بهيئة الرباط، استهل مداخلته، بعد مداخلة النقيب والفاعل الحقوقي البارز عبد الرحمان بنعمرو، التي استعرض فيها اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، بالتأكيد على تنوُّع أوجُه الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي منذ ما يزيد على ثمانين عاما في حق الشعب الفلسطيني. واعتبر بنجلون أن "عنوان الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني هو الجريمة المتعلقة بالتزييف والتزوير للمفاهيم والوقائع والصفات والنظريات المتعلقة بجريمة احتلال فلسطين، حيث يصبح الجلاد ضحية، والدفاع عن النفس يصبح أداة للاحتلال، والمقاومة تصبح إرهابا". وأضاف: "هذه هي الجرائم الأولى التي يرتكبها الكيان المحتل في محاولة لتضليل الرأي العام الدولي بخصوص القضية الفلسطينية". وتوقف المحامي بهيئة الرباط الفاعل الحقوقي والسياسي المغربي عند المادة 51 من الميثاق الأممي لحقوق الإنسان، التي تتحدث عن الدفاع عن النفس، معتبرا أن الكيان الإسرائيلي يستعملها "لشرعنة جرائمه". وأوضح بنجلون أن المادة 51 من الميثاق الأممي لحقوق الإنسان تفسر الدفاع عن النفس بأنه هو الدفاع الذي يتم حين تعتدي دولة على أخرى، حيث يجب أن يكون الرد بالمثل وبالتناسب في إطار حماية سيادة وممتلكات الدول، "لكن واقع الحال هو أن الاعتداء المستمر منذ 1948 في فلسطين هو اعتداء استيطاني واستعماري". ولفت إلى أن المادة المذكورة "لا تخدم الكيان الإسرائيلي، بل هي أداة قانونية في صالح الشعب الفلسطيني الذي هو ضحية الاستعمار، وضحية الجرائم المستمرة للكيان الصهيوني"، مبرزا أن "المقاومة حق من حقوق الإنسان". وأشار في هذا الإطار إلى أن دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي هي الداعم الأكبر لإسرائيل، ينص في المادة الثانية منه على أن من حق كل شعب تعرض للاعتداء أن يحمل السلاح، مضيفا: "لسنا هنا إزاء وثيقة تاريخية، بل أمام دستور ساري المفعول لأكبر بلد داعم للكيان الصهيوني". لا عُذر للمحكمة الجنائية الدولية في السياق ذاته، نوّه النقيب عبد الرحيم الجامعي بمزاوجة الشعب الفلسطيني بين المقاومة المسلحة في وجه الكيان المحتل، والترافع أمام المؤسسات القضائية الدولية، معتبرا أن المقاومة، إلى جانب مواجهتها المحتل بالبندقية، "تقاوم ببنود القانون الذي دبجه الغرب، والذي سيُطبق يوما ما على الكيان الصهيوني". واعتبر الجامعي أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم أحمد خان، "ليس له خيار، فله الصلاحية وله قوة كبيرة، وهو وحده الذي يقرر في إجراء التحقيق والاستماع إلى الشهود وطلب إفادته بكل المعلومات". ونوه النقيب الجامعي بمواقف كل الأطراف، من دول ومنظمات، التي تقدمت بشكايات إلى القضاء الدولي، سواء أمام محكمة العدل الدولية، أو أمام المحكمة الجنائية الدولية، وقال إنها "شرّفت العالم"، كما أثنى على المقاومة الفلسطينية، قائلا: "إنها علمتنا أن الظلم لا بد أن ينتهي يوما، وأن الظالم لا يمكن أن ينتصر أمام إرادة الشعوب". واعتبر المتحدث ذاته أن الندوة التي نظمتها مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، "هي رسالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية والدولية، وإلى المجتمع الدولي، وإلى الشعب الفلسطيني، فحواها أن في المغرب أصواتا من نساء ورجال الحركة الحقوقية والحركة القانونية، يستعملون القانون كآلية وكسلاح لمواجهة العدوان". وأوضح النقيب الجامعي أن المحكمة الجنائية الدولية ملزمة بأن تستمع إلى جميع الأطراف المعنية، وأن تجمع كل الوثائق التي تثبت ارتكاب الكيان الإسرائيلي جرائم في حق الشعب الفلسطيني، وأن تستمع إلى شهادات الشهود، موردا: "لا يمكن أن تتذرع المحكمة الجنائية الدولية بقلّة وسائل الإثبات، وبعدم وجود شهادات وأدلة، لأن لديها ما يكفي من الوسائل من أجل متابعة واعتقال جماعة الإرهابيين الصهاينة الذين أشرفوا ودبّروا العدوان، وشاركتهم في ذلك الإدارة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية".