العالم قبل 7 أكتوبر 2023، كان يعيش في روتين يضعه في إطار ما أسميه "البلادة العاطفية" تجاه القضية الفلسطينية، وأحداث غزة كسرت هذا الروتين، كأن ما يجري فيها يقول للبشرية السوية "من معه الحق المُغتصِب للأرض أو المُغتصَب؟". إن الاحتلال الصهيوني يسعى يوما بيوم منذ 1948 على إضفاء شرعية على أفعاله بمنطق "الأمر الواقع" بسبب التغطية التي يعول عليها من خلال تحيز أنظمة الغرب له، ويريد أن يوجه الرأي العام العالمي من أجل التعاطف معه، لكن التاريخ صديق الحقيقة يحفظه الأسوياء في القلوب وفي التراث الشفهي من جيل لجيل. لقد تبين من خلال الحراك العالمي أن القضية الفلسطينية تتحدى البلادة العاطفية للإنسان الذي يستهلك العادات الاجتماعية التي تصاغ بها حياته اليومية. إن أرواح الشهداء الزكية تضفي على العالم طاقة إيجابية يُرفع بها الحجاب عن الواقع المر الذي يعيش فيه الفلسطيني والفلسطينية منذ 75 عاما. لقد بات العالم يعرف القضية الفلسطينية بشكل ملفت عوض إقبارها. إن التأمل في التاريخ يظهر أن جميع البلدان المحتلة التي لها نسق قيم ينهل من الحقيقة استقلت عن كل محتل، وجميع المؤشرات تفضي إلى أن الظلم سيزول فهذا، ناموس إلهي يؤمن به كل ذي ملكة سوية كيفما كان البلد الذي يعيش فيه. إن العالم بعد 7 أكتوبر 2023، أصبح أمام معطيات تسمح بإزالة هذه البلادة وأصبحت جميع الشعوب الحرة تتعاطف مع غزة والقضية الفلسطينية عموما، وهاته البلادة تتأتى من خلال التنويم الإعلامي للشعوب من خلال ثقافة سلوكية استهلاكية لما يروج من معلومات مبتورة من السيرورة التاريخية للواقع في فلسطين. لكن المقاطعة الدبلوماسية لبعض الدول والاقتصادية لكل المنتوجات التي تساهم الشركات التي تسوقها في الحراك العسكري للاحتلال الصهيوني تتسم بواقعية ناجعة وتشير إلى أن المواطن العالمي أصبح يستيقظ من هذا التنويم ومن الروتين الذي يفضي إلى هاته البلادة. ولعل مثول الكيان المحتل أمام محكمة العدل الدولية إشارة من "الغرب العادل" على فظاعة الإبادة التي انتهجها كأنه يريد تسريع آلة الزمن بقتل أصحاب الأرض بشكل وحشي. إن "الغرب العادل" كمؤثر فعلي في جوهر القضية ومآل النزاع يعلم بعمق أصحاب الحق ويعلم أن هذا النزاع لن ينتهي ما دام الحق لم يعد لأهله، فأحرار العالم لا يخوضون ضد تيار أصحاب القضية، ويجب تكوين "لوبي" حقيقي من جميع المتدخلين الذين تصل أيديهم لهذا النزاع للضغط من أجل فض هذا النزاع التاريخي الذي يريد أن يمس معراج الرسول صلى الله عليه وسلم وحرم المسلمين ومهد ميلاد المسيح عليه السلام. وختاما إن المعركة ضد الباطل قد تستغرق قليلا من الوقت كما قد تستغرق أجيالًا لكنها تنتهي دائمًا بظهور الحقيقة، لأن الحقيقة يحبها الله وما يحب الله يعلو.