هذا عنوان ندوة نظمت من قبل منتدى المتوسط للتبادل والحوار بشراكة مع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية. وقد شارك في هذه الندوة ثلة من المفكرين الأجلاء: المصطفى الرميد وعبد الله ساعف ومحمد الأشعري والسعيد الحسن وعبد العالي حامي الدين، وذلك يوم السبت 23 دجنبر 2023. ومن خلال تداول مضامين هذه المقاربات، يمكن تقديم قراءة في هذا الباب من خلال المحاور التالية: أحداث فلسطين من المحلية إلى العالمية إن مجريات الأحداث بفلسطين لا تقع في فضاء مغلق، وإنما هي مفتوحة على الجميع شكلا وروحا. مما يجعل القراءات مفتوحة اليوم ومستقبلا. خاصة وأن التحالف المساند للاحتلال الصهيوني بدأ يتباين في المواقف، وإن كان ضئيلا نسبيا. وهناك ضغط دولي لإيقاف الحرب وتزويد أهل فلسطين بالدعم اللازم، رغم أن الآلية الأممية أصبحت عاجزة وبدون جدوى. إضافة إلى الدور العربي الهش. خاصة في التعامل مع التطبيع وتوظيف المتاح في هذه المعركة الحضارية. كما أن هناك عجزا وفشلا في التعبئة الدولية ضد الاحتلال الصهيوني مع استثناء بعض المواقف المحتشمة. لكن القضية الفلسطينية تجاوزت الزمان المحلي إلى الفضاء العالمي. التيه القيمي وارتباك البوصلة لقد طرح سؤال استراتيجي بعد كوفيد 19 حول مآل العالم بعد هذه الجائحة؟ وانطلقت أحداث جديدة مؤسسة لأقطاب متنوعة، لكن أثبت "طوفان الأقصى" زلزالا عالميا كبيرا، معلنا أنه لا فرق بين لاعب كبير وآخر صغير. وأصبحت حماس لاعبا دوليا كبيرا مطلوبا للتفاوض خوفا من زوال إسرائيل. إذن ليس هناك المستحيل إذا توفرت الإرادات وخلصت النيات. خاصة وأن ما قامت به المقاومة خاصة حماس تم باستقلالية تامة. عن كل التأثيرات. وهذا مهم في المعادلة. لأنها ترفع شعار الصمود والاستمرارية، رغم عتاد العدو وداعميه. وما يقع ليس حربا وإنما مقاومة ضد الاحتلال الصهيوني. هذا المغتصب الذي فقد البوصلة، ولم يستطع أن يحدد مآلات الاعتداءات حتى أن أحدهم وصف حماس بمنظمة إرهابية تحررية. وهذا مؤشر على التيه القيمي المساهم في ارتباك البوصلة والرؤية. وأصبح العدو «شرا مطلقا". ومهما تنوعت التفسيرات لما وقع ويقع وما سيقع من قبل الذات المهتمة يدخل في باب الاجتهاد. مركزية القصية الفلسطينية إن القضية الفلسطينية مركزية في الصراع العالمي. مهما كانت نتائج المعارك القائمة بغزة وغيرها. لأن استمرار المقاومة غير مرتبط، بالنصر والهزيمة. إن العدو يدعي العقلانية والحداثة ظلما وعدوانا لأنه تحرر من كل القيم المجددة للسلوك العدائي إلى سلوك باني. وبالتالي فهو محتل إجرامي. لأنه يظن أن الشعب الفلسطيني سيستسلم. لكن أنى لهم ذلك. فهم شعب أبي يعرفون كيف يصنعون الموت. وهذا ما يجعل منسوب التضامن معهم ينمو يوما بعد يوم. والتضامن ليس مظهرا صوريا، بل دعم حقيقي لمشاريع مقاومة المحتل. لأن النوايا أساسية ولكن لا تكفي. وتبقى وحدة الفصائل هي الأساس في تقوية النضال الفلسطيني. وتوحيد الإرادة العربية والإسلامية حتمية. لأنها تعبير عن النضج وبدونها يهيمن الاستقرار. المقاومة خيار تنموي ونهضوي إن النكبات التي مر منها الشعب الفلسطيني لأكثر من 70 سنة، تجعل أشخاصا ومؤسسات مشاركين في الجرائم وآخرين متفرجين عليها. ومن أجل أن يتمادى العدو في طغيانه فإن القرارات المتخذة أمميا لم يخضع لأي منها. وحتى التطبيع التي تراهن عليه إسرائيل لم يقدم أي تنزيل يذكر. وقد أبرز "بيريز" في كتابه الشرق الأوسط الطبيعة الاستعلائية للصهيونية. ومن ثمة لا بد من التمييز بين إرادة الحكام وإرادة الشعوب في التعامل مع التطبيع. والملاحظ اليوم أن اتفاقيات التطبيع تتسم ببرودة كبيرة لأنها منبوذة من قبل الشعوب. إن الاحتلال الصهيوني "يدعشن" المقاومة، معتمدة على سرديات كاذبة وأساطير مفبركة التي فندها الكاتب روجي جارودي. وقد أسقط "طوفان الأقصى" أقنعة متعددة، طالما تغنى بها العالم من أجل التطور والنمو. وأثبتت الأحداث أن حماس حركة تحرير وإسرائيل إرهابية لأكثر من 70 سنة. وشهد بهذا كل شرفاء وأحرار العالم. وقد كشف بعض اليهود الموضوعيين مآسي الفلسطينيين المرتكبة من قبل الاحتلال الصهيوني. لقد اعتبر "طوفان الأقصى" صدمة للجميع وكانت تداعياته ممتدة أفقيا وعموديا. رغم مرور أكثر من 70 سنة من الاستبداد والطغيان. لأن الغالب على العالم قبل الطوفان هو الصمت العالمي. والإقليمي. واليوم نطرح أسئلة جديدة نحو: لماذا اليأس؟ كيف نقوم الذات اليوم؟ لقد تأكد للجميع الحقيقة المغيبة وهي أن المقاومة من قبل لاعب صغير ماديا وكبير معنويا هو الذي أربك العدو وأحرجه عالميا. ومن ثمة فالمقاومة ممكنة دوما وحماس موجودة في كل جسم فليسطيني، ولا يمكن إخماد الثورة بالعنف. ولذلك اغتال الطوفان كل أشكال التطبيع. لأن بناء علاقة أو تواصل مع الكيان الصهيوني قد انتهى. والتعايش معه يتطلب تخليه عن طبيعته الاستيطانية ويرد الحقوق لأصحابها. لقد أصبحت قضية فلسطين تراعى في رسم سياسات الدول. خاصة وأن القصف مستمر ولا يدري أحد عواقب هذه الأحداث. ومن ثمة اعتبرت المقاومة فعلا وليست إطارا صوريا. وكون عمل المقاومة مستقلا، فإن بعضا من أبناء جلدتنا يحاولون المساعدة في تهريب بعض القادة تاركين الشعب "ضحية" هذه المؤامرة. وبذلك لا بد من دعم هذه المقاومة بدون شرط. ووجداننا يتوق إلى وحدة كل الفصائل. ولن يتم هذا إلا بالشعور بالحس الوطني. أما المعركة اليوم فقد تحتمل الانتصار أو الهزيمة، لكن قد يكون لا قدر الله انهزام عسكري ولكن في العمق انتصار سياسي يدعم المقاومة، ومن ثم لا بد من النضال الرقمي بفضح الجرائم المرتكبة، من قبل الاحتلال الصهيوني. مما يحافظ على الذاكرة، التي يحاول الاحتلال طمسها. خاصة وأن الغرب وإعلامه تكتل لتشجيع المنظومة الصهيونية العدوانية، لذلك فمن الواجب أن تكون قيم الغرب الذي تغنى بها العالم مفتاحا للنقاش الحقيقي حول ازدواجية المواقف، واليوم بسبب كيان عنصري ومساندته تتهاوى معه كل شيء. خلاصات لقد شكلت المدرسة الواقعية كما يزعمون بوصلة للعلاقات الدولية، والتي روجت لقيم بدت في هذا الصراع الفلسطيني الصهيوني واهية ومزيفة ومراوغة. وأثبتت الحقيقة أن القوة ليست حلا. فالأرض مقابل السلام والحلول المقترحة فاشلة، فهل يعي أبناء جلدتنا هذا الانحراف، وتتم المراجعات الحقيقية من أجل البناء التنموي والحضاري؟ ومن الوجب التحرر من الخيارات السلبية نحو التواطؤ أو التفرج أو العجز. وتطوير المواقف، والمساندة للحق الفلسطيني ربح للجميع، وخذلانه هلاك للجميع.