يعيش المسيحيون المغاربة منذ ليل أمس الأحد لحظة "دينية فارقة" بحكم احتفالهم ب"عيد الميلاد" أو "الكريستماس"، الذي يعني، وفق العقيدة المسيحية، "ذكرى مولد المسيح" أو "المنقذ" و"المخلص"، ملثما يؤمن بذلك المسيحيون من كل الأصقاع. غير أن الاحتفالات في "كنيسة المجد" بمدينة تمارة كانت فرصة ليؤكد المسيحيون أن "المغرب هو الأرض الجديدة والوطن الآمن في ميلاد المسيح". ولم يكن الاحتفال شيئا موقوفا بالمدن الكبرى، بل بادر المسيحيون أيضا بمناطق سوس وغيرها إلى الاحتفال ليل أمس الأحد ب"صلوات لأجل العيش المشترك" ولأجل "وطن يقف على نفس المسافة من كل العقائد الموجودة"، وينعم ب"المزيد من الاستقرار والسلام والازدهار أمام عالم ملتبس تغلب عليه الطائفية والكراهية ونبذ الآخر وتشديد الخناق على الاختلاف كقيمة". القس آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة، الذي حضر الاحتفالات في "كنيسة المجد"، قال إن "الكريستماس" هو "فرصة للفرح ولتلاوة الأدعية والترانيم ولطلب المغفرة والدعاء لصالح كل المغاربة والإنسانية لكي نحيا في عالم أفضل تقل فيه الحروب"، مضيفا أنه "كما نعرف، المسيح ولد في مجتمع مليء بالصعوبات والتحديات، والمغرب بلدنا الآمن الذي نطمح أن يبدد كل هذه المخاوف والصعاب". وأوضح الرباطي، الذي يعد من أشهر "المسيحيين المغاربة"، أن "الوضع اليوم يختلف، فالمؤمنون لهم القدرة على الاحتفال في وطن يكرس التعايش في تاريخه"، مؤكدا أن "المسيحيين يدعون دائما للملك محمد السادس خلال هذه المناسبة، فهو أمير للمؤمنين في كل الأديان والضامن للاستقرار. نصلي أيضا كي يشعر المسؤولون بالمؤمنين بالدين المسيحي الذين هم مغاربة يتقاسمون نفس الأصل ونفس المصير". وأضاف القس المغربي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هذا الخبر السار وهذه البشرى التي يعكسها مولد المسيح في أفقنا كمؤمنين، هي خزان كبير من المشاعر التي تعكس الحب والانتصار للعيش المشترك بعيدا عن خطابات التفرقة التي لن تكون في خدمة أي عقيدة"، معتبرا أن "هذا الاحتفال هو فرصة للتذكير بإمكاناتنا لكي نعيش معا في وطن واحد، يضمن كافة حقوقنا وواجباتنا بغض النظر عما نؤمن به". ولم تغب "الحرب على قطاع غزة من طرف الجيش الإسرائيلي" عن دعوات المغاربة المسيحيين، بحيث صلوا "لكي تتوقف الحرب ويستطيع المدنيون في فلسطين أن يعيشوا في سلام وأمن واستقرار"، منددين ب"كافة أشكال الحرب والعدوان الذي هو عدو لكل أشكال السلام"، مستحضرين أيضا ما يجري في السودان "الذي بدد آمال الشعب السوداني الشقيق في توقف الحرب والعودة إلى منازلهم". وشدد المتحدث ذاته على أن "الاحتفال المبارك شمل أيضا تلاوة تسابيح وترانيم وتراتيل، صلينا خلالها لفائدة وزير العدل عبد اللطيف وهبي، لكونه يقوم بعمل جبار لترسيخ الحريات والفكر الحداثي والنهوض بالحريات الفردية، نأمل أن ينعكس في رفع التجريم عن حرية العقيدة والضمير بالمغرب"، موردا أن "الوقت صار حاسما بالنسبة للمسيحيين أمام هذه النقاشات المتعلقة بمدونة الأسرة حاليا في المغرب". ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أنه "قبل الاحتفال تمت مراسلة جميع الكنائس البيتية على مستوى التراب الوطني التابعة لاتحاد المسيحيين المغاربة، وذلك حتى تكون الصلاة جماعية ومشتركة في هذه اللحظة الفارقة التي تعكس الانتقال من الظلمات إلى النور بميلاد المسيح"، مؤكدا أن "الدعوات شملت أيضا المتعاطفين والداعمين لحرية العقيدة في المغرب، والمؤمنين بحق المسيحيين في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وعلنية يكفلها القانون". وككل سنة، يحتفل المسيحيون بأعياد الميلاد ليلة 25 دجنبر، ويتم ذلك وفقا لتعاليم الكنيسة الغربية، التي تختلف عن نظيرتها الشرقية في قيام الأخيرة بهذه الاحتفالات ليلة السادس من يناير، ولكن مع بداية خروج المغاربة المؤمنين بالدين المسيحي إلى العلن في السنوات الأخيرة، صارت هذه الاحتفالات تتخذ طابعا علنيا ولو أنه يتم في كنائس بيتية.