بعد شهر من الآن يبدأ موسم الانتخابات التمهيدية الأميركية للعام 2024 من ولاية أيوا الواقعة في الغرب الأوسط، ومعه سيعلم دونالد ترامب ما إذا كان يُحرز تقدّماً لا يمكن اللحاق به للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، أو ما إذا كان منافسوه سيحقّقون مفاجأة. وتجري هذه الانتخابات فيما يواجه الرئيس السابق أربع لوائح اتهام جنائية، الأمر الذي يعرّضه لخطر السجن؛ ومع ذلك مازال يحافظ على تقدّم على منافسيه الجمهوريين، يعدّ الأكبر في استطلاعات الرأي في هذه المرحلة من الحملة الانتخابية. وبالتالي، مازال ترامب مهيمناً على السباق، بينما يتنافس غيره من الجمهوريين للحصول على بطاقة الترشّح للانتخابات المقرّرة في نوفمبر المقبل، في ظلّ سعي الحزب إلى الإطاحة بالرئيس الديمقراطي جو بايدن. "سنعيد لأميركا عظمتها"، قال ترامب خلال التجمّعات الانتخابية، مردّداً الشعار الذي أوصله إلى السلطة في العام 2016. ولكن بناء على ما أظهرته الانتخابات الأميركية السابقة يجب أن يُنظر بحذر إلى استطلاعات الرأي التي تجري قبل فترة طويلة من التصويت، إذ إن الحكم الحقيقي يصدر خلال سباقات الترشّح داخل الحزب في مختلف الولايات، انطلاقاً من المجمع الحزبي في ولاية أيوا في 15 يناير، حيث سيتواجه ترامب مع الناخبين لأول مرة منذ مغادرته البيت الأبيض. وبناء على التقاليد المستمرّة منذ العام 1972 سيفتتح الناخبون في ولاية أيوا موسم الانتخابات التمهيدية، عبر التجمّع في أماكن كالمدارس وصالات الألعاب الرياضية ومحطات الإطفاء، لاختيار مرشحهم المفضّل في اجتماعات تعرف باسم "المجمع الانتخابي". تنافس هيلي وديسانتيس في أيوا كما في أماكن أخرى، مازال ترامب يتمتع بقاعدة موالية له تتجاهل مشاكله القانونية. وقال آدم ميلر (61 عاماً) وهو مزارع مؤيد لترامب التقته وكالة فرانس برس في ماكوكيتا الواقعة في شرق أيوا قرب نهر ميسيسيبي: "أنا لا أفهم ما هي الجريمة حتّى"، وأضاف: "أعني، إن كان متهماً بالقتل أو الرشوة... عندها قد أغيّر رأيي". في 15 يناير عند الساعة السابعة مساءً سيجتمع هذا الرجل ذو الشعر الداكن، والذي يضع نظارتين طبيتين، مع سكان منطقته في مكان يبعد ثلاث ساعات بالسيارة، لوضع اسم الملياردير على بطاقة الاقتراع. وفي هذه الليلة، سيكون هناك ستة جمهوريين آخرين مرشّحين بهدف قطع الطريق على ترامب. ولكن يبدو أنّ اثنين فقط مازالت لديهما فرصة للمنافسة الفعلية؛ أحدهما هو حاكم فلوريدا رون ديسانتس، المحافظ المعروف بمواقف يمينية متشدّدة بشأن الهجرة وحقوق المثليين؛ وقد راهن بكل شيء على ولاية أيوا، حيث زار مقاطعاتها ال99 في بضعة أشهر. ويمكن للرجل البالغ 45 عاماً الاعتماد أيضاً على رعاية حاكمة أيوا كيم رينولدز، التي أعلنت تأييدها له. وفي حين مازالت رينولدز تتمتع بشعبية كبيرة بين الجمهوريين، فقد هاجمها ترامب بعنف بعدما دعمت ديسانتس، واصفاً إياها بأنّها "الحاكمة الأقل شعبية في أميركا". ويبدو أنّ دعم ديسانتس، العضو السابق في البحرية الأميركية، تراجع في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي يُرجعه البعض إلى سلوكه "الخشبي" في بعض الأحيان وافتقاره إلى الكاريزما. أما المنافسة الثانية فهي السفيرة السابقة لدى الأممالمتحدة نيكي هيلي، التي تعدّ المحبوبة الجديدة لدى اليمين الأميركي. وسلكت حاكمة ولاية ساوث كارولينا البالغة 51 عاماً طريقاً مختلفاً عبر التركيز على موقف أكثر اعتدالاً بشأن حقوق الإنجاب، مدركة أنّ حزبها مُني بعدّة انتكاسات انتخابية منذ أن ألغت المحكمة العليا العام الماضي الحق الدستوري في الإجهاض. نيوهامشير ونيفادا طوال فترة الحملة الانتخابية، استخدم كل من هيلي وديسانتس طرقاً ملتوية لتجنّب الهجمات المباشرة على ترامب، خوفاً من الإساءة إلى أنصاره؛ غير أنّ نسبة تأييد كلّ منهما تناهز 12 في المائة في استطلاعات الرأي، وهي نسبة بعيدة جدّاً عن ال60 في المائة التي حصل عليها الرئيس السابق. لكن المراقبين لا يستبعدون احتمال أنّ أيّاً منهما قد يُحدث مفاجأة ويقلّص الفارق الكبير مع ترامب. وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة براون ويندي شيلر لوكالة فرانس برس إنّ "أي شيء أقل من فوز ساحق يعني أنّ ترامب سيبدو أكثر ضعفاً في سباق ترشيح الحزب الجمهوري ممّا توقّعه المراقبون والمانحون والناخبون". بعد أيوا، تنتقل الأنظار إلى نيوهامشير الواقعة على الحدود مع كندا، وبعدها إلى ولايتي نيفادا وساوث كارولينا في نهاية فبراير. وبحلول يونيو، ستحدّد كلّ الولايات الخمسين حصص مندوبيها تمهيداً للمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليوز، الذي سيتم خلاله الإعلان عن مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية. وعلى الجانب الديمقراطي سيتمّ ترشيح بايدن البالغ 80 عاماً في غشت خلال مؤتمر الحزب في شيكاغو، إلا إذا حصلت مفاجأة حالت دون ذلك. مع ذلك، يتنافس مرشّحان هما عضو الكونغرس دين فيليبس والكاتبة ماريان ويليامسون، في مواجهة بايدن، غير أنّ فرصهما ضئيلة.