تعيش بلادنا منذ قرابة شهرين أزمة في قطاع التعليم العمومي، إثر صدور النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية في شكل مرسوم رقم 2.23.819، أتى بمستجدات لا ترقى إلى طموحات الفئات التعليمية، وأساسا منها الأساتذة المدرسون داخل الفصول التعليمية. أولا: أصل الخلاف يرى المعنيون بهذا النظام الأساسي الجديد أنه تم التعتيم على مجريات الحوار، ولم يتم فتح النقاش الكافي طيلة فترة المشاورات التي دامت زهاء سنتين بين الوزارة والنقابات التمثيلية، إضافة إلى السرعة التي تم بها تمرير هذا القانون في المجلس الحكومي وإصداره في الجريدة الرسمية، تزامنا مع تأثيرات فاجعة زلزال منطقة الأطلس، وهو ما ولد شكوكا لدى موظفي القطاع، ولاسيما بعد الاطلاع على مضامينه من طرف الأساتذة، وبالأخص بنود المهام والعقوبات، والتعويضات التي تم تغييبها عن هذه الفئة عكس باقي الفئات. في حين أرجعت الوزارة هذا الاستعجال إلى العامل الزمني، إذ إن المشروع الإصلاحي الموسوم بخارطة طريق 2022/2026 من أجل مدرسة ذات جودة للجميع مفترض دخوله حيز التنفيذ بداية شهر شتنبر 2023 لإدراج التزاماته المالية هذه السنة، مثل تعويض المتقاعدين عن الترقي للدرجة الممتازة، وتعويضات العاملين في مدارس الريادة التجريبية، وكذا رصد التزامات مالية موالية في قانون المالية 2024. ثانيا: دخول رئاسة الحكومة على الخط بعد أن وصل الحوار إلى الباب المسدود بين النقابات والوزارة، ومع ظهور أشكال احتجاجية متواصلة أثرت بشكل كبير على سير الدراسة، خصوصا مع بروز دور تنسيقيات الأساتذة كفاعل جديد في الميدان، إذ إنها من زاوية سوسيولوجيا الفعل العمومي مارست سلطتها من هامش المناورة المتاح لها بناء على إستراتيجيتها الخاصة، إيذانا بانطلاق صراع وفق مقاربة "ميشيل كروزيي"، دخلت رئاسة الحكومة على الخط لتطويق الأزمة بالسعي إلى إيجاد حل عبر تشكيل لجنة وزارية للتفاوض من جديد للاستجابة لمطالب المتظاهرين، بضمانات شخصية من رئيس الحكومة. وفي هذه النقطة نستحضر تجربتنا كفاعلين مدنيين وتربويين مع القدرات التدبيرية لمواكبة الملفات لشخص رئيس الحكومة لما كان مستشارا جماعيا بجماعة تافراوت، ورئيس جهة سوس ماسة درعة آنذاك منذ 20 سنة، إضافة إلى ترشحه كبرلماني عن دائرة إقليمتيزنيت منذ أزيد من 10 سنوات وكوزير للفلاحة، حيث تعاملنا معه في مجموعة من الملفات، كالتحفيظ الجماعي وتسوية الملفات مع المياه والغابات والسياسة المائية، إضافة إلى اهتمامه بالمجال التربوي كفاعل اقتصادي منحدر من دائرة تافراوت المتضمنة ل 7 جماعات ترابية بالدعم السنوي إلى الآن بالمحافظ الجاهزة لقرابة 10 آلاف تلميذ وتلميذة، والدعم المجاني لأسطول النقل المدرسي بهذه المنطقة، وتوسيع العرض المدرسي وتجهيز ثانوية تافراوت. ثالثا: ما ذا بعد؟ لقد مر تنزيل هذا الإصلاح التربوي المنشود كسياسة عمومية قطاعية من مراحل، بدءا بدخول الأجندة الحكومية عبر إدراجها كمحور أساسي داخل البرنامج الحكومي، ثم بلورة القرار بإصدار نظام أساسي جديد قابلته مقاومة الفاعل الأساسي في المنظومة التربوية الذي أتى ضمن المحاور الثلاثة بخارطة الطريق (الأستاذ)، وهذا ما يتطلب التصويب. ومن هذا المنطلق، وموازاة مع استمرار الحوار الرسمي بين الحكومة والنقابات لحل الأزمة، نرى أنه من منظور سوسيولوجيا التنظيمات يستحسن استثمار العطلة البينية لعقد لقاء مواز بين الوزارة كمنظمة معنية بالملف، بمختلف مديرياتها المركزية وأكاديمياتها الجهوية، وممثلي كافة الفئات الفاعلة الجديدة في المنظومة، كموظفين تابعين لها تؤدي لهم الأجور، سواء على شكل مائدة مستديرة أو استكمال مشاورات المشروع الإصلاحي الجديد برمته تربويا وإداريا وماليا، للتسريع في إيجاد حل يمكن أن يكون انطلاقة أقوى لإصلاح المنظومة التربوية ككل بإشراك فاعليها الأساسيين، قبل دخول فاعلين آخرين متضررين من الآباء والأمهات، وتطور الأمور إلى سؤال ميثاق المرافق العمومية، وخصوصا مبدأي المساواة ومسؤولية استمرارية المرفق العمومي. (*) باحث في السياسة التعليمية