المحتلون ألقوا كل ما لديهم، ولكن لن تكون هناك نكبة أخرى... على مدى 15 شهرا شنت تل أبيب بدعم تسليحي ومادي واستخباري وحماية دبلوماسية وسياسية من جانب واشنطن ولندن وبرلين أساسا وكذلك تحالف من دول الناتو وخارجه، حربا على قطاع غزة اتهمت المحكمة الجنائية الدولية فيها وبتاريخ 21 نوفمبر 2024 قادة من حكومة إسرائيل بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هدف تلك الحرب كان وحسب رئيس الحكومة نتنياهو تصفية حركة حماس سياسيا وعسكريا وضمان عدم تشكيل قطاع غزة وسكانه (2.34 مليون نسمة) أي تهديد لإسرائيل، الهدف الذي لم يتحدث عنه نتنياهو بصراحة كان إخلاء قطاع غزة من غالبية سكانه وتهجيرهم إلى شبه جزيرة سيناء المصرية. في أعقاب تراكم فشل الجيش الإسرائيلي بعد الأسابيع العشرة الأولى للحرب قدر مجلس الحرب الإسرائيلي أنه بزيادة معاناة سكان القطاع يمكن تأليبهم على حماس وإسقاطها من الداخل ولكن هذا المخطط سقط تماما. بعد كل هذه الأشهر لم يحقق ساسة حكومة تل أبيب بإعترافهم مع حلفائهم هذه الأهداف رغم قتلهم أكثر من 46 ألف فلسطيني غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء والشيوخ. في اليوم 471 للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي الساعة 11:15 بالتوقيت المحلي بتأخير قدره ثلاث ساعات تقريبا دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وحركة حماس بصفتها رأس حربة المقاومة الفلسطينية في غزة حيز التنفيذ، وبعد ذلك وفي ساحة السرايا وسط مدينة غزة وحوالي الساعة 4 عصرا بالتوقيت المحلي تمت العملية الأولى لتسليم الأسرى "ثلاثة إسرائيليين" تحت إشراف منظمة الصليب الحمر الدولي، التي نقلت عن حكومة نتنياهو أنه سيتم "إطلاق سراح 4 أسرى إسرائيليين أحياء آخرين خلال 7 أيام". عملية التسليم تمت بحضور جماهير غفيرة من الغزيين كانت تهتف بشعارات النصر وبحضور المئات من عناصر كتائب القسام الذين ظهروا بكامل عدتهم وأسلحتهم ومركباتهم وسط ساحة السرايا التي كانت تل أبيب قد أعلنت عدة مرات خلال الأشهر الخمسة عشر من 7 أكتوبر 2023 وحتى 19 يناير 2025 سيطرتها عليها وتطهيرها من المقاومة الفلسطينية. أول الملاحظات التي سجلها المراقبون الأجانب هي أن مقاتلي القسام كانوا على عكس ما تروج له إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية في أوج قوتهم وبأسلحة جديدة ومركبات وسيارات دفع رباعي جديدة. من جانبها أطلقت إسرائيل يوم الأحد كذلك 90 من الأسرى الفلسطينيين 76 أسيرا من الضفة الغربية و14 من القدس الشرقية، بينهم 69 امرأة و21 طفلا. الاتفاق في مرحلته الأولى، يضمن إطلاق حماس سراح 33 من الإسرائيليين من بين 98 أحياء. فيما تفرج إسرائيل خلال تلك المرحلة عن حوالي ألفي أسير فلسطيني لديها، من بينهم 737 من الذكور والإناث والقصر، بعضهم مدانون بتنفيذ هجمات مميتة ضد إسرائيليين. كما تشمل 1167 فلسطينيا من غزة احتجزتهم إسرائيل منذ بداية الحرب الحالية. المرحلة الأولى من الاتفاق، والتي تصل مدتها إلى 42 يوما، تنص حسب مصادر واشنطن وتل أبيب "وقف إطلاق نار مؤقت". يسمح الاتفاق بدخول 600 شاحنة تحمل مساعدات إلى غزة يوميا، بالإضافة إلى إجراء مفاوضات حول سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي وإنهاء الحرب بشكل دائم. في واشنطن ووفق مسؤول انتقالي تحدث لشبكة "إن بي سي" يعتزم مبعوث الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، زيارة قطاع غزة لضمان الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تقول مصادر مختلفة أن ترامب فرضه على نتنياهو. وفي إشارة إلى مدى هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار، يخطط ويتكوف أيضا للتواجد بشكل شبه دائم في المنطقة على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة، وفق ما نقلت الشبكة عن المسؤول الانتقالي.. وسيعمل ويتكوف على حل المشاكل التي قد تندلع على الأرض والتي يعتقد أنها قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق ووقف إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حماس في أي لحظة، وفقا للمسؤول. وأضاف المسؤول للشبكة: "يجب أن تكون على رأس الأمر، ومستعدا لإخماد أي مشكلة إذا حدثت". في هذه الأثناء استقال أعضاء حزب "العظمة اليهودية" من الحكومة الإسرائيلية، يوم الأحد، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن غفير، بسبب اعتراضهم على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مع حركة حماس الفلسطينية. ونشر الحزب بيانا، أشار فيه إلى استقالات بن غفير، ووزير التراث عميحاي إلياهو، ووزير النقب والجليل يتسحاق واسرلاف، من الحكومة الإسرائيلية، تم بسبب ما وصفوه ب"الاتفاق المستسلم" مع حماس. واعتبر الحزب أن الاتفاق "يتضمن إطلاق سراح مئات المعتقلين والسجناء الفلسطينيين، من بينهم من أدينوا بقتل إسرائيليين، مع السماح لبعضهم بالعودة إلى القدسوالضفة الغربية". وجاء في بيان الحزب أن الاتفاق يمثل "تنازلا عن إنجازات الجيش الإسرائيلي في الحرب، وانسحابا لقوات الجيش من قطاع غزة، ووقفا للقتال"، معتبرا أن ذلك يعد "استسلاما لحماس" و"صفقة مخزية وملئ بالثغرات". كما انتقد انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، معتبرا أن ذلك يمثل "تنازلًا خطيرا". وحذر بن غفير من أن إطلاق سراح المعتقلين والسجناء الفلسطينيين يمثل "خطرا أمنيا كبيرا"، قائلا إن الاتفاق الحالي يبعث برسالة إلى أن تكتيك حماس يسفر عن تحقيق المكاسب"، مضيفا أن "إسرائيل قد تكون بصدد إطلاق سراح السنوار الجديد". وأشار الوزير إلى أنه حاول إقناع وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بالانضمام إليه في رفض الاتفاق، لكنه لم ينجح في ذلك وأنه دعا كذلك نتنياهو إلى التواصل مع الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، لإيجاد "بدائل أفضل" لهذا الاتفاق. يشار إلى أن خروج حزب القوة اليهودية من حكومة نتنياهو لا يعني انهيار الائتلاف الحكومي ولكن رحيل بن غفير يزعزع استقرار الائتلاف. المحللون والخبراء والسياسيون منقسمون حول أبعاد اتفاق وقف إطلاق النار ومن كسب ومن خسر وما هي أخطار استئناف القتال ليس في غزة وحدها بل في كل إقليم الشرق الأوسط المركز وسط حركة توصف بالتكتونية للعلاقات والتوازنات الدولية.