يطفو على السطح عبر وسائل الإعلام من حين لآخر مجموعة من الأخبار والمعطيات التي من شأنها أن تعيق مسلسل إصلاح العدالة بالمغرب، و بالتالي صعوبة التنزيل الديمقراطي لدستور 2011 لجعل القضاء سلطة مستقلة و قائمة الذات، خاصة وأن الكل يتابع باهتمام مدى ما ينشر بشان جهاز العدالة في الآونة الأخيرة لكون الكل أضحى يعتبر أنه لا تنمية بدون أن تتضمن المخططات المعتمدة للإصلاح العدالة بصفة عامة والقضاء بصفة خاصة. فما ينشر عبر بعض وسائل الإعلام يعتبر سيفا ذا حدين فإما أن يساهم في تكريس استقلال القضاء أو أن يساهم في ترسيخ عدم استقلاليته، وذلك تبعا لصحة ومصداقية المعطيات التي تتضمنها بعض المنابر الإعلامية علما أن الإعلام هو بدوره يبحث على استقلاليته على غرار القضاء مما يجعلهما في العمق خصمان وفي الواجهة مستعدين لمد جسور التواصل و الحوار. فقد تطرقت بعض وسائل الإعلام خلال الأسبوع الفارط إلى قضية من نوع خاص تمت أحداثها وتفاصيل وقائعها بحديقة الحيوانات بمدينة الدارالبيضاء، ويتعلق الأمر بالنزاع الذي نشب بين عائلتين كانتا تتواجد بنفس المكان على اثر خصومات حدثت بين أبنائهما استدعت حضور عناصر الشرطة القضائية لكن دون إتمامها على اعتبار أن الأمر يهم مساطر خاصة تقوم على الامتياز القضائي. فهذه القضية و إن كانت بسيطة ومألوفة طالما الأمر يتعلق بأطفال و بسلوكاتهم غير المحسوبة في بعض الأحيان في غياب رقابة الآباء وأوليائهم فإنها تظل قضية تستدعي التفكير والتأمل لاسيما و أن مسرح الخلاف من شأنه أن يساعد على إظهار الحقيقة كما هي في حالة ما إذا اعتمدت عناصر الشرطة القضائية التي انتقلت إلى المكان المذكور على تقنيات جديدة في غاية الأهمية تتمثل في استحضار تام و مطلق لمنظومة القيم التي تهاوت إلى الحضيض و بالتالي تكون مدعوة إلى اعتماد تصريحات الحيوانات التي تتواجد بالحديقة لإمتاع الإنسان والتي عاينت الخلاف خاصة و أن الشاهد الإنسان لم يعد يشكل مساعدا صادقا للعدالة على غرار باقي مساعدي القضاء من بعض خبراء و بعض عناصر الشرطة القضائية وبعض الموثقين و بعض المفوضين قضائيين و بعض التراجمة ورجال سلطة و المحامين بعض عناصر الإدارات الخاصة. لذلك يظل الشاهد الحيوان هو الذي بإمكانه أن يلعب دورا كان يعد وظيفة تقتصر على الإنسان. إن شعار القضاء في خدمة المواطن يبقى دون معنى إذا لم يكن المواطن في خدمة القضاء و إن كان الإنسان الشاهد قد مل من حسم بعض القضايا التي تعرض على المحاكم لكونه على علم بتفاصيل تفاصيل بعض القضايا التي لا تعرض على المحاكم نظرا لتداخل الاختصاصات والصلاحيات كما هو الأمر الذي يطرح بالنسبة للقضاء العادي وقضاء الحسابات الذي له ارتباط للأسف الشديد بأم الوزارات كما تنبث ذلك لائحة العمال و الولاة الجدد. فالقضاء في خدمة المواطن، يفرغ من محتواه طالما أن هذا الشعار يقوم على التمييز بين المواطنين تبعا لدرجاتهم الغير المرئية وتبعا لمقاييس ومعايير لا داعي لذكرها. فهل الإنسان الشاهد كما يقال حيوان ناطق أم هو شيء آخر خاصة أمام ردهات المحاكم. وما يزيد الطين بلة أن بعض وسائل الإعلام نشرت في نفس الوقت خبر وفاة إحدى القضاة في ظروف غامضة على اثر حقنة تحت إشراف طبيب له سوابق قضائية في التقصير والإهمال حسب نفس وسائل الإعلام، وذلك فور انتهاء القاضي من تلاوة الرسالة الملكية لتعيين والي أسفي الجديد الأمر الذي يطرح مجموعة من الأسئلة وعلى رأسها سؤال عريض أن اغلب القضاة لازالوا يلجئون إلى أطباء يطرحون علامة استفهام للحفاظ على محفظة نقودهم لكونهم يعيشون وضعية مادية يرثى لها خاصة إن كان لهم أبناء. ومن جهة أخرى فان هذه القضية تبعث عن الأسى على اعتبار أن عناصر الإدارة الترابية تتوانى في تتبع الملفات التي سبق أن كانت بين أيديهم ضاربين عرض الحائط القوانين المعتمدة في هذه المجالات.فالقاضي لكي يكون منتجا في عمل ووظيفته يتعين أن تقدم له جميع المساعدات اللازمة لتحقيق رسالته النبيلة سيما وأن القضاة المشرفين على تسيير النيابة العامة سواء عن حق أو غير حق يدعون أنهم يتوفرون على كفاءات عالية في مجال الطب لتوفرهم على أبحاث و دكتورات بخصوص مسؤولية الطبيب لكن لابد من التمييز بين الدكتوراه في الطب الصادرة عن كلية الحقوق و دكتوراه في الطب صادرة عن كلية الطب و الفرق بينهما شتى لكون الدكتوراه الأولى يكون الهدف من ورائها الزخرفة و التزيين و محاولة انتحال صفة كلما سمحت الظروف بذلك. ومن باب التلخيص، وليس الخلاصة، فإن القضيتين معا تثيران موضوع في غاية الأهمية ويكمن في عدم قدرة القضاء وعناصر الإدارة الترابية في حماية المواطنين وبالتالي حماية المستهلك... * قاض وعضو نشيط بجميع الجمعيات المهنية القضائية