بالعاصمة الرباط، تُوِّج الشاعر الإيطالي جوسيبي كونتي ب"جائزة الأركانة العالمية للشعر"، التي يقدمها بيت الشعر بالمغرب، وحصل عليها أدباء بارزون، من بينهم: محمود درويش، محمد السرغيني، وديع سعادة، محمد بنطلحة، خواد، أنطونيو غامونيدا، تشارلز سيميك، محمد الأشعري، وفولكر براون. وفي الحفل الذي استقبلته المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مساء اليوم الأربعاء، قال الشاعر جوسيبي كونتي: "إن هذه جائزة مهمة، أتشرف باستقبالها"، وشكر شعراء المغرب على هذه اللحظة التي قال إنه سيحافظ عليها كلحظة كبيرة في حياته. وتمسّك الشاعر بالقصيدة "جسرا روحيا بين الشرق والغرب"، معجزتها "إعطاء صوت لمن لا صوت له" مثل الجدول والنهر، والقمر، مضيفا أن الشعر "يذكّر بكل ما هو إنساني في الإنسان"، ويدافع "عن الضعفاء والمقصيين والمنسيين"؛ وتحدّث عن الفلسطينيين "الذين يعيشون سجناء في الأراضي المحتلة"، ويعانون من العنف ووضع لا يحتمل. وذكر المتحدث ذاته أن العالَم يعرف وجود قوى تنزع الإنسانية عن الإنسان، و"تريد أن تجعل الإنسان آلة و'زومبي' (حيا ميتا)"؛ ووصف ب"البربرية التي يجب مقاومتها" ما وصلت إليه الحضارة الغربية في العقود الأخيرة من انتصار للتسليع والاستهلاك والاقتصاد والماليات الدولية، ثم عبّر عن تشبّثه ب"الشعر سفرا من الظلمات إلى النور والعجيب، وسفرا نحو اللامتناهي"؛ قبل أن يقول إن "الشعر والأسطورة يمكن أن يؤاخِيا الشعوب". حسن نجمي، الأمين العام لجائزة "الأركانة العالمية للشعر"، ذكر من جهته أن "الأركانة" تحتفي هذه السنة "بشاعر إيطالي كبير، شفيف النظرة، عميق العبارة، حليف للكلمة المضيئة، صديق للحياة"، وتابع: "هو من أبرز شعراء الفضاء المتوسطي، وابن شرعي للشعرية الإيطالية الحديثة والمعاصرة، وهي شعرية تتكلم لغة من أجمل لغات العالم، ومن أكثرها موسيقية، هي بِكرُ اللغة اللاتينية". وأضاف المتدخل أن المتوَّج "صديق غربي حر للثقافة العربية، للشرق الحضاري والإنساني، وأحد المثقفين المعاصرين بأوروبا الذين عملوا على تجسير العلاقة بالثقافة والأدب المغربيين، وله صداقة متينة مع أدونيس، وشعراء كبار في المغرب والعالم العربي (...) ويعتبر اللغة العربية، والحضارة العربية الإسلامية، من مرجعيات كتابته ومتخيَّله (...) وتجربته الشعرية مدافعة عن الحق في الحياة (...) تنتصر لكلمات الشرف والكرامة والدفاع عن التربة والأرض والحرية، والوطن ترابا وإنسانا وتراثا وأساطير وذاكرة وتاريخا". مراد القادري، رئيس بيت الشعر بالمغرب، قال إن الجائزة التي تحمل اسم "الأركانة" "رمز للصداقة الشعرية، تصل شعراء بلدنا المغرب بباقي شعراء العالم"، وتنتصر "للشعر في وقت يقف إلى جانب القيم النبيلة؛ قيم الجمال والمحبة والسلام الذي ما أحوج عالمنا إليه". وذكر رئيس بيت الشعر أن جوسيبي كونتي لفت شعره الأنظار منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، ورافقت منجزه الشعري والروائي "احتفاءات أدبية رفيعة"، توّجت إبداعه الذي يستلهم الأساطير والثقافات الأولى في عالم جديد، ويستلهم من العالم العربي والتراث الصوفي الإشارة والترميز، وتحضر فيه ظلال الأشجار وأصوات الأنهار. وفاء نعيمي إدريسي، رئيسة مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، ذكرت أن "جائزة الأركانة" "تعزز الدور الهام للدبلوماسية الثقافية في تعزيز مكانة بلادنا الثقافة والإنسانية، وهي تنشد قيم التسامح والإخاء والتعايش"، وزادت مهنِّئة "الشاعر الكبير، على مساره الإبداعي الطويل، ليمنح الإنسانية قصيدة عميقة ممتعة وقادرة على أن تساعدنا على فهم الحياة والعالم، وتعيننا على التواصل مع الذات والآخر". وتطرق سيموني سيبيليو، رئيس لجنة التحكيم، إلى "الجودة الشاملة" لعمل الشاعر المتوَّج "وكثافته الغنائية، وعمقه التأملي، ونفسه الكوني، واحتفائه بالعناق الرمزي بين الشرق والغرب، واختراق البعد الإنسانيِّ للحدودِ مهما كان نوعها"، وواصل كاشفا ماهية شعره "الغارق في الأسطورة والمقدس، وتمثل الطبيعة بمجملها". ووضح المتدخل أن مفتاح شعرِ جوسيبي كونتي كونه "إعادةَ البناء الأسطوري لمعاني العالم"، بتصور للقصيدة بوصفها "النور الذي ينير الظلام، ويجعل غير المرئي مرئيا"، قبل أن يختم بالقول: "شعره يعطي صوتا لمن لا صوت له (...) ويبحث عن الجمال المحافظ على البعد الأخلاقي العميق، ليكتب عطاءات خيالية جديدة، منغمسة في التقاليد".