وأنا أتابع الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، كباقي المغاربة، استوقفتني مجموعة مما اعتبره مفاهيم ومفاتيح ورؤى مستقبلية، تخللت جل فقرات الخطاب الملكي، من قبيل: تكريم المواطن المغربي، تعزيز البعد الأطلسي للمملكة المغربية، الخصوم المكشوفين والخفيين. تأهيل المجال الساحلي وطنيا، فضاء التواصل الإنساني، اقتصاد بحري، السياحة الأطلسية، تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، الجدية، والقيم الروحية والوطنية والاجتماعية، قيم التضحية والوفاء وحب الوطن. هذه الغزارة في الرؤى والمفاتيح تؤكد أن الخطاب الملكي يختزل مشروعا مجتمعيا متكاملا، يحظر فيه البعد الوطني، خاصة في الشق المتعلق بتحقيق كرامة المواطن المغربي، هذه الكرامة التي تعتبر الغاية والمنتهى، والتي لن يتم تحقيقها إلا من خلال "مسيرات التنمية والتحديث والبناء". كما حظر البعد الإفريقي في الخطاب الملكي، ليست فقط في جوانبه الاقتصادية والجيو- سياسية، ولكن في جوانبه الإنسانية، خاصة عندما تحدث جلالة الملك عن تحويل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني. فمرة أخرى يحضر الإنسان في بعده الإفريقي كانشغال آني لدى جلالة الملك. Loading Ad 00:00 / 00:00 هذا الانشغال ليس انشغالا فكريا عابرا، جاء نتاج شعور بالانتماء لإفريقيا فقط، ولكنه انشغال أدى إلى وضع خارطة طريق قابلة للتنزيل على أرض الواقع، عبرت عنه باقي فقرات الخطاب الملكي. لقد اختزل الخطاب تصورا ملكيا متكاملا، محوره الإنسان الإفريقي، كرامة الإنسان الإفريقي، مستقبل الإنسان الإفريقي، عبر اعتماد إجراءات عملية تتخذ من الواجهة الأطلسية مجالا محوريا لتنزيل المشروع المجتمعي لشعوب الدول المطلة على هذا المجال. وعند حديث جلالته عن دول الساحل، اعتبر أن المشاكل والصعوبات التي تعاني منها دول المنطقة، لن تحل بما هو أمني وعسكري فقط، فالبدائل في نظر جلالته لن تخرج عن "اعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة". ورسم جلالته مسار تنزيل مبادرته الرامية إلى تحقيق تغير جدري في واقع الدول المعنية وشعوبها، إنها المبادرة الملكية الهادفة إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي. ولم يكف جلالته بطرح المقترح، ولكن حدد شروط نجاحه، والمتمثلة في تأهيل البنيات التحتية للدول المذكورة، " والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي." ولم يقتصر مرة أخرى جلالته على التعبير عن انشغالاته فقط، وطرح الإكراهات التي يمكن أن تعيق إنجاح هذه المبادرة، في جوانبها المتعلقة بالبنيات التحتية، بل قدم جلالته البدائل العملية لتنزيل هذا المشروع غير المسبوق، ولو على المستوى التنظيري، حين عبر عن استعداد المغرب لوضع بنياته التحتية رهن إشارة هذه الدول، من منطلق إيماني قوي، لدى جلالته، بكون "هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها، وفي المنطقة كلها". يلاحظ من خلال ما سبق، حرص صاحب الجلالة على وضع الإنسان الإفريقي في صلب اهتمام جلالته على الدوام، وأن لا خيار أمام الشعوب الإفريقية سوى التكتل والانفتاح على بعضها البعض من أجل بناء مستقبل مشترك لشعوب هذا المجال، مستقبل يكون فيه الإنسان هو المبتدأ والمنتهى. وتكون فيه كرامته هي أم الغايات. أن تفكر في إسعاد الآخرين، وتضع مبادرة متكاملة الأركان، قابلة للتنزيل، تقدم بدائل قادرة على تحويل وجه إفريقيا إلى الأحسن، فهذا نبل يتداخل فيه الأخلاقي بالسياسي، من ملك متبصر، واسع النظر، استراتيجي، صاحب فكر المستقبليات، تتسع أفكاره لتشمل قارة بأكملها، وهذا ما أعطى للخطاب الملكي بعده الإفريقي الإنساني، وذوب المسافات بين شعوب القارة، وفتح الباب أما حلم بحجم القارة الإفريقية، حلم عنوانه "حب الخير للغير".