بعيدا عن المقاربات القانونية وتفاصيل وجزئيات القانون الدستوري المتعلقة بصلاحيات وسلط الملك الدستورية وكيفية ممارستها، التي وردت في الباب الثالث من دستور المملكة الشريفة بداية من الفصل 41 إلى غاية الفصل 59؛ يهمني في هذا المقام أن أسجل أن ممارسة هذه الصلاحيات والسلط تكون، في بعض الأحيان، موضوع بلاغات للديوان الملكي، حيث يتم إعلام أو إخبار المواطنين بها. إن ما استوقفني، خلال ال26 يوما الماضية، هو عدد البلاغات الصادرة عن الديوان الملكي وتنوع مضامينها، حيث حظيت باهتمام بالغ من لدن جميع أطياف المجتمع المغربي؛ بالنظر إلى ما حملته من تعليمات وتوجيهات وإجراءات وأخبار، تدخل في صميم انشغالات المواطنين. وفيما يلي بعض منها: بلاغ 9 شتنبر 2023 الذي أعقب زلزال الحوز، حين غدر الأطلس الكبير بأبنائه الذين عشقوه عشقا ربانيا... فالتهمهم في رمشة عين، ولم ندري أحبا فيهم؟ أم حنان أم زائد أرعن؟ أم كرها وانتقاما ممن أخلصوا الود وتغنوا به شعرا، فلم يرحم الزلزال إيغيل المنسية ولا تيزي نتاست ولا سيدي عبد الله ولا اوناين ولا تيكوكة ولا تيسراس ولا ثلاث نيعقوب ولا.. ولا.. ولا بقية الوطن...فأعادنا جميعا إلى دروس الجغرافيا التي لم نتعلمها يوما في الفصول الدراسية حول تضاريس الأطلس الكبير، نوع التربة، حياة أهل الجبل، معيشهم اليومي، المناخ المتقلب، وما والاها من المعطيات الصادمة، بل أرغمنا نحن الفارون من وعورة الجبال على أن تزورنا تلك الجبال في منازلنا بأحيائها وأمواتها، بأطفالها وشيوخها، بنسائها ورجالها، فرضت علينا أن نذرف دمعة حزن عليهم بطعم مر واستحياء منهم لأننا خذلناهم عصرا... كان مضمون بلاغ 9 شتنبر جوابا على عدد كبير من انتظارات الساكنة المتضررة وأيضا باقي المواطنين، حيث أعطى صاحب الجلالة تعليماته السامية من أجل مواصلة عمليات الإنقاذ بشكل عاجل على الصعيد الميداني، والإحداث الفوري للجنة بين وزارية مكلفة بوضع برنامج استعجالي لتأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة في أقرب الآجال، والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، والتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال، وفتح حساب خاص بهدف تلقي المساهمات التطوعية والتضامنية للمواطنين والهيئات الخاصة والعمومية، إضافة إلى إجراءات أخرى، خاصة الإعلان عن حداد وطني لمدة ثلاثة أيام، وإقامة صلاة الغائب بجميع مساجد المملكة ترحما على أرواح ضحايا هذا الزلزال. بلاغ 14 شتنبر 2023، جاءت مضامينه امتدادا لمضامين بلاغ 9 شتنبر، حيث أشار إلى الاجتماع الذي ترأسه صاحب الجلالة، والذي خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين من الزلزال والتكفل بالفئات الأكثر تضررا. وقدمت اللجنة بين وزارية، خلال هذا الاجتماع، بين يدي جلالته النسخة الأولى من برنامج إعادة الإيواء. وقد "أثار جلالة الملك انتباه السلطات المختصة إلى أن عملية إعادة الإيواء تكتسي أولوية قصوى، ويجب أن تنجز في احترام للشروط الضرورية المتعلقة بالإنصاف والانصات الدائم لحاجيات الساكنة المعنية". كما أعطى جلالة الملك أوامره بإحصاء الأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم، ومنحهم صفة مكفولي الأمة. بلاغ 20 شتنبر 2023، يعتبر مضمونه بدوره امتدادا لمضموني البلاغين السابقين، حيث أشار إلى ترؤس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، جلسة عمل خصصت لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، حيث أعطى جلالته تعليماته وأوامره بإحداث منصة كبرى للمخزون والاحتياطات الأولية قصد التصدي بشكل فوري للكوارث الطبيعية، وتنزيل الرؤية التي تم تقديمها على مستوى كل من الأقاليم والعمالة المتضررة، مشددا جلالته على أهمية الإنصات الدائم للساكنة المحلية، مع إيلاء الأهمية الضرورية للبعد البيئي والحرص على احترام التراث المتفرد وتقاليد وأنماط عيش كل منطقة، وضرورة اعتماد حكامة نموذجية تقوم على السرعة والفعالية والدقة والنتائج المقنعة. بلاغ 26 شتنبر 2023، إذا كانت البلاغات السابقة غنية بالتعليمات والتوجيهات لمواجهة مخلفات وآثار زلزال الحوز، والتخفيف من الأضرار التي لحقت بساكنة تلك المناطق، والسعي بأقصى سرعة إلى إعادة إعمارها، بل وإعطاء انطلاقة لمسار تنموي شامل بالمناطق الجبلية، فإن بلاغ 26 شتنبر جاء بدوره تكريسا للرؤية الملكية الحكيمة لقضايا الأسرة المغربية بكل مكوناتها، المرأة والرجل والطفل، وما يرتبط بهم من قضايا متداخلة ومتشعبة. جاء هذا البلاغ ليحيط المواطنين علما بأن أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمدا السادس، نصره الله، وجه رسالة سامية إلى السيد رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، مع تحديد جلالته للجهات التي ستكلف بهذه المهمة، على أن ترفع مقترحات التعديلات إلى النظر السامي لجلالة الملك، في أجل أقصاه ستة أشهر، قبل استكمال مساطر المصادقة. إذا كانت بلاغات زلزال الحوز بلاغات مرتبطة بمأساة كارثة طبيعية، فإن بلاغ إعادة النظر في مدونة الأسرة جاء تطورا في مسار... حلقة في سلسلة من الإصلاحات التي يتطلع إليها المواطنون، تمس حياتهم اليومية فيما ظهر منها وما بطن... إصلاحات يراعى فيها الاختلاف، إلا حول الثوابت... تراعى فيها قيمنا المجتمعية، مع الانفتاح على واقع يتأرجح بين الثابت والمتحول. بلاغ 4 أكتوبر 2023، بلاغ فرح، خلصنا من غصة في حلقنا دامت لسنين...حلم جماعي سكن دواخلنا...آمنا به...حلمناه بدون كلل...قلنا للعالم: المستحيل ليس مغربيا...حلم حمله جيل رحل إلى دار البقاء...لكن لم يرحل معهم...ورثه جيل بعد جيل...واستمر الحلم...رابع أكتوبر يوم تحول الحلم إلى حقيقة...هكذا أبلغنا جلالة الملك...كأس العالم سيقام على أرض مملكة الشرفاء سنة 2030. بطولة كأس العالم في النهاية لعبة رياضية ليس إلا...شباب يهرولون وراء قطعة جلد مملوءة بالهواء...أناس يهتفون...وفي الأخير سعادة هنا وحسرة هناك...بعد حين ينسى كل شيء...لتبدأ الحكاية من جديد مع مقابلة جديدة. لكن للحدث رمزيته التي لا تقدر بثمن...حين يعترف العالم بأنك متفرد دون العالمين...بأنك شعب يستحق التكريم والوقوف له إجلالا...حين يردد العالم بكل لغات الأرض اسمك ملكا وشعبا وأرضا...فأنت موجود...موجود بحضارتك...بتاريخك...بثقافتك...بحاضرك...بمستقبلك...القطعة الجلدية ليست مملوءة فقط بالهواء...ولكن بآمال الأجيال الحاضرة والآتية...أجيال آمن أسلافها بوحدة المصير ...حلموا أحلامهم الجماعية في كل قضاياهم المجتمعية...آمنوا بها ...حولوها إلى واقع باعتراف شعوب الأرض...إلا من جحدوا، فلهم منا دعوات بالمغفرة والتوبة النصوح. بلاغات الديوان الملكي، خلال ال26 يوما، سافرت بنا من أحزان الأطلس الغادر إلى أفراح استضافة كأس العالم...بل شعوب العالم...وفي طريقها عرجت بنا على أم قضايانا المجتمعية... مدونة الأسرة... جعلتنا نفتح قلوبنا قبل آذاننا لننصت إلى كل أصواتنا...نتوحد حول الثابت فينا بحب وجداني وعشق صوفي. ختاما، أنا على يقين بأن سيل البلاغات سيتواصل؛ لأننا أمة تعتبر أن التلاحم الدائم بين العرش والشعب من الإيمان، وبأن مسيرة النماء والتقدم يقودها شرفاء هذا البلد الأمين.