في عهد الحسن الثاني رحمه الله، تقدم المغرب بملف متكامل "نظريا" لنيل شرف تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم دورة 1994، وفشل في ذلك لاعتبارات جيوسياسية وبراغماتية؛ لأن الاتحاد الدولي للعبة ذاتها "الفيفا" لن يربح من تنظيم المغرب ما سيربحه من تنظيم الولاياتالأمريكية، أكبر قوة اقتصادية في العالم، لهذه التظاهرة الرياضية. وفازت البرازيل بالكأس، ونجحت دورة أمريكا الشمالية، ونُسي الأمر؛ لكن الحقيقة التي استخلصناها من تلك "الهزيمة" هي أننا لم نكن مستعدين لتنظيم كأس العالم آنذاك، وكنا لا نمتلك سوى ثلاثة ملاعب جاهزة، والباقي مشاريع في مدن مختلفة، واكتفينا بالحلم أمام التصاميم والصور المتخيَّلة للملاعب الرائعة المراد إنجازها. أما البنيات التحتية فهي أيضا كان إنجازها مخططا له لو كسب المغرب ثقة "الفيفا". وكذلك كان الشأن خلال الدورات الأخرى التي ترشحنا فيها، باستثناء تقدم بسيط في بناء الملاعب وبعض الطرق والنقل السككي في ترشيح 2026. اليوم، نحن جاهزون جزئيا لاحتضان المونديال؛ لأنه لو كُلِّفنا بتنظيمه وحدنا لَكُنّا مطالَبين ببناء ثمانية ملاعب كبيرة في أقل من ست سنوات، إضافة إلى مجهودات خارقة في البنيات التحتية والفنادق وغيرها. والصيغة الحالية التشاركية مع إسبانيا والبرتغال تلائم تماما ما هو جاهز عندنا وما نحن قادرون على إنجازه في أفق 2030. نترك جنون الفرحة والغبطة والارتياح ونفتح أبصارنا على ما ينتظرنا. كأس العالم ليست ملاعب وبنيات تحتية وفندقة وغيرها، وإنما هي تجمع كبير من البشر من كل جنس ودين وملة وعقائد وأعراف وتقاليد. وإذا كان الضيوف مطالبين باحترام ثوابت البلد المضيف فإن الشعب المغربي مطالب بالمرونة في التعامل مع الأجانب، الذين منهم المؤمنون والكفار، يحبون الخمر ويلبسون بشكل غير متطابق مع تعاليم أبي حنبل أو غيره. وقد يصدر عنهم سلوك غير مقبول، مخالف لمقدساتنا كالعناق والقُبل في الشارع أو ما يماثله، وقد تدفعهم الفرحة إلى تجاوز خطوطنا الحمراء. وقد ترفع أعلام المثليين في الملاعب أو "جفّاف" البوليساريو وجمهورية الريف وما لا يمكن التنبؤ به. من نحن؟ المغاربة خليط من كل المستويات الفكرية والطبقية والقناعات الدينية والأخلاقية، فكيف نتوحد في سلوك حضاري لا يسيء إلى سمعتنا؟، بلد التسامح والمحبة والصبر على الاستفزازات والمؤامرات؟ لن يعجبنا ما سنراه من عجائب المخلوقات، ولن يستجيب الضيوف إلى معاييرنا الأخلاقية، فكيف نهيئ أنفسنا لهذا الموعد العالمي الرهيب؟ هل نكون أقل تحضرا من قطر؟ المونديال مناسبة نادرة لبلدنا ليزيد في سرعة البناء والتجهيز، وستستفيد المدن الرئيسة المستقبلة للمباريات من تحول جذري في كل شيء، وستستفيد المدن والقرى التابعة لها من استثمارات كبيرة، من طنجة إلى أكادير. وليس من المستبعد أن يصل القطار فائق السرعة "تي جي في" إلى مدن أخرى مثل مكناس وفاس، وقد يعود الربط القاري بين أوروبا وإفريقيا إلى الوجود بشكل جدي هذه المرة، وقد ينجز قبل 2030. ومن المؤكد أن المواعيد الرياضية كانت دائما رافعة قوية لاقتصادات الدول، ونتذكر جارتنا إسبانيا التي استفادت من مونديال 1982 والألعاب الأولمبية لبرشلونة 1992، فانتقلت من دولة نامية إلى دولة متقدمة. بمعنى أن الأرباح لا تنحصر في مداخيل الفرجة والإشهار وغيره، وإنما في الحركة المادية والمعنوية التي يولّدها حدث عالمي كبير. منذ 30 سنة ونحن نحلم بالمونديال، وها هو قد تحقق بعد خمس مرات فاشلة؛ لكن يجب أن نقبله كما هو، لا أن نطلب "تفصيله" على مقاسنا. وكما يقول المثل المغربي: "للي بغى سيدي علي يبغيه بقلالشو".