علق التركي جنكيز أورسيل لافتة خارج ورشة النحت الخشبية الخاصة به للتنديد بطلب صاحب العقار رفع الإيجار إلى مستوى غير مسبوق، بينما يجد الحرفي نفسه مهددا بالإخلاء بعد عشرين عاما. وتقول اللافتة "مطلوب 25 ألف ليرة (ما يعادل 911 دولارا) إيجارا لهذا المحل"، بدلا من 3200 ليرة (117 دولارا) شهريا. وشهدت الإيجارات في تركيا ارتفاعا قياسيا العام الماضي، ما أدى إلى اندلاع أعمال عنف بين أصحاب العقارات والمستأجرين. وأفادت وسائل الإعلام عن مقتل 11 شخصًا وإصابة 46 آخرين. وبحسب دراسة نشرتها جامعة بهتشه شهير التركية في غشت فقد ارتفعت الإيجارات العام الماضي بنسبة 121%. وفي المدن الكبرى مثل أنقرةوإسطنبول بلغت نسبة الارتفاع 188%. ويخشى أورسيل الذي دفع إيجار المحل بانتظام لمدة 20 عاما أن يضطر للإغلاق، وأضاف: "أريد أن يتم سماع صوتي. هذه المطالب ستدفع الناس إلى حافة العنف، وصولا إلى قيامهم بطعن بعضهم البعض"، وتابع: "لا أستطيع دفع ذلك!"، مستدركا: "لكن إذا اضطررت لترك هذا الحي سأخسر حرفتي أيضا". ويعاني الأتراك أزمة غلاء معيشة تزايدت مع نسبة تضخم قياسية وسجّلت تركيا تسارعا في التضخم خلال غشت، إذ لامس نسبة 60 في المائة على فترة سنة. لكن يشكك اقتصاديون مستقلون في ذلك ويقولون إن زيادة أسعار المستهلك وصلت فعليا إلى 128% على الأقل. تهديدات بالإخلاء في مواجهة الارتفاع القياسي، حددت الحكومة سقفا لزيادة إيجارات العقارات ب 25 بالمائة، بما يتماشى مع نسبة التضخم الرسمية للأعمال. لكن يؤكد خبراء أن هذه الإجراءات لم تؤد إلا إلى زيادة التوترات، ودفع الكثير من أصحاب العقارات إلى اللجوء إلى وسائل مختلفة- بينها غير قانونية- لطرد وإخلاء المستأجرين، والعثور على مستأجرين جدد مستعدين لدفع أسعار أعلى. وذكر وكيل عقاري اشترط عدم الكشف عن اسمه أن بعض أصحاب العقارات لجؤوا إلى استئجار عصابات لترويع المستأجرين، لدفعهم إلى ترك منازلهم في حي بشكتاش في إسطنبول المطل على مضيق البوسفور. والشتاء الماضي تصدرت قصة قيام صاحب أحد العقارات بهدم بيت مستأجر لديه بالفأس لطرده بالقوة عناوين وسائل الإعلام المحلية. ولاحظت المحامية في أنقرة مليحة سيلفي أن "عدد الخلافات بين المستأجرين وأصحاب العقارات زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة"، وقالت: "يرى المستأجرون أن حقوقهم انتهكت، بينما يشعر أصحاب العقارات بأن الأزمة ظلمتهم"، مشيرة إلى أن الجانبين "يتبادلان الاتهامات بدلا من محاسبة الحكومة". وهذا العام، قالت وسائل إعلام تركية إن 47 ألف محاكمة افتتحت تتعلق بإخلاء مستأجرين، و100 ألف أخرى تتعلق بزيادة غير قانونية للإيجارات في الأشهر الستة الأولى من العام، تجاوزت الضعف مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. تأثير بعد الزلزال إضافة إلى ذلك، فإن الزلزال المدمر الذي ضرب في السادس من فبراير، ودمّر جنوب البلاد ومناطق في سوريا، وقتل أكثر من 55 ألف شخص، أدى أيضا إلى تفاقم الوضع، بحسب ما أوضح عثمان كال الذي يعمل وكيلا عقاريا في العاصمة أنقرة. وقفزت قيمة إيجار شقة تتألف من غرفتين أو ثلاث وسط العاصمة من مبلغ يتراوح بين 2000 و2500 ليرة شهريا (ما بين 70 و86 يورو) لتصبح نحو 17 ألف ليرة (590 يورو تقريبا) في سنة واحدة، بزيادة قدرها 650% تقريبا. وقال كال: "يطالب أصحاب العقارات بزيادة في الإيجار أعلى بكثير من التضخم"، مع تدفق الكثير ممن فقدوا بيوتهم في الزلزال. وتعد أنقرة التي تقع بعيدا عن خطوط التصدع الرئيسية التي تهدد البلاد واحدة من أكثر المناطق أمانا. ورغم جهود إعادة الإعمار بعد الزلزال ثمة نقص في المساكن ذات الأسعار المعقولة. وأورد كال: "يفضل المطورون بناء مساكن فاخرة مربحة بدلا من أخرى اجتماعية، والحكومة تسمح بذلك". ويبلغ الحد الأدنى الصافي للأجور في تركيا حاليا 11,400 ليرة (395 يورو). وتركت مريم ألتونلو هاتاي شقتها المتضررة من الزلزال، وقدمت إلى العاصمة، وتشعر حاليا بالقلق من ارتفاع الإيجارات، تقول: "أدفع حاليا 13 ألف ليرة (450 يورو) بصعوبة. وفي حال رغب المالك بزيادة أعلى من 25 بالمائة سأضطر للمغادرة. لا أعرف أين أذهب".