مباشرة بعد الزلزال الذي ضرب المملكة، مُخلفا خسائر بشرية ومادية جسيمة، عرضت مجموعة من الدول المساعدة على المغرب، إذ أبدت مختلف عواصم العالم استعدادها لإرسال مساعدات عاجلة إلى الرباط لتجاوز محنتها التي حظيت على إثرها بتضامن وتعاطف من كل شعوب العالم. في هذا الصدد، قررت المملكة بناء على "تقييم دقيق للاحتياجات في الميدان"، قبول عروض الدعم من كل من الإمارات وإسبانيا والمملكة المتحدة وقطر، معبرة في الوقت ذاته على لسان ملك البلاد عن "خالص شكرها للبلدان الصديقة والشقيقة التي أبدت تضامنها مع الشعب المغربي، وأكدت استعدادها لتقديم المساعدة في هذه الظرفية الاستثنائية"، حسب ما أفاد به بلاغ للداخلية. وعلمت جريدة هسبريس من مصدر مسؤول أن "المغرب انتهج مقاربة انتقائية إيجابية في قبوله لهذه المساعدات، حتى لا يتم هدرها، في وقت توجد مناطق أخرى في العالم قد تكون في أمس الحاجة إليها"، موضحا أن "المملكة في هذه المرحلة لا تعاني من أي خصاص على مستوى إمدادات المواد الغذائية للمناطق المتضررة". وشدد مصدر هسبريس على أن "قبول المساعدات من دول قليلة فقط يروم التحكم في عملية تنسيق الجهود ما بين فرق الإنقاذ المغربية ونظيرتها من هذه الدول، وبالتالي ضمان نجاعة التدخلات"، مضيفا أن "المغرب يقبل فقط الدعم الذي يأتي عن طريق الدول"، مشيرا في هذا السياق إلى أن "المنظمات غير الحكومية أو الجمعيات الراغبة في المساعدة يجب أن تنسق أولا مع الدول التابعة لها". سعيد بركنان، محلل سياسي، قال إن "المغرب لديه سابقة في التعامل مع الكوارث الطبيعية، على غرار الزلازل والفيضانات، وبالتالي فقد تكونت لديه تجربة مهمة في هذا الإطار"، مشيرا إلى أن "تلقي المساعدات من أي دولة تسبقه تعاملات عبر القنوات الدبلوماسية بهدف التنسيق وجرد الحاجيات الأساسية للدولة المتضررة". وأضاف بركنان أن "المقاربة التي اعتمدها المغرب في التعاطي مع عروض المساعدات التي تلقاها من عدد من الدول هي مقاربة تقنية بالدرجة الأولى"، موضحا أن "السلطات المغربية بكل تلاوينها تجندت ووفرت كل الإمكانيات اللازمة لإغاثة المتضررين، خاصة المساعدات الغذائية والأدوية، وعليه فإن المغرب ليس لديه أي خصاص على هذا المستوى، ذلك أن أغلب المراكز المنتجة لهذه المواد لم تضرر". ولفت المتحدث عينه إلى أن "قبول المساعدات من كل من الإمارات وإسبانيا والمملكة المتحدة وقطر راجع بالأساس إلى كون المساعدات التي عرضتها هذه الدول ذات طبيعة تقنية، خاصة في ما يتعلق بتقنيات البحث تحت الأنقاض"، مشددا على أن "الرباط لم تتعامل بصيغة انتقائية سلبية مع عروض المساعدات، وإنما قاربتها من زاوية احتياجاتها على المستوى التقني، ذلك أن الأدوية والأغذية تمكنت السلطات بمعية المجتمع المدني من توفير ما يلزم منها". وتفاعلا مع الموضوع ذاته، قال محمد عصام العروسي، رئيس مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والإستراتيجية، إن "المقاربة المغربية في تلقي المساعدات ترتكز على مجموعة من الأبعاد، أولها البعد الذي يؤكد على التحدي المغربي وقدرة المغاربة على الاستجابة السريعة للكوارث من خلال الإمكانيات التي تتوفر عليها الرباط في هذا الصدد". وسجل العروسي أن "إمكانيات المغرب والكفاءات والأطر التي يتوفر عليها قادرة على التعاطي مع هذا النوع من الكوارث الطبيعية وتجاوز آثارها"، لافتا إلى أن "المملكة أثبتت في العديد من الأزمات، آخرها أزمة كورونا، قدراتها في هذا المجال، وأبانت عن حنكتها في إدارة الأزمات في وقت عجزت دول عظمى حينها عن مجابهتها". وخلص المتحدث عينه إلى أن "المغرب يحاول في الوقت الحالي التركيز على عمليات الإنقاذ وتحقيق التعاون التقني الإيجابي الذي لا يعيق عمل فرق الإنقاذ، وبالتالي فهو لم يقبل إلا المساعدات النوعية التي من شأنها تحقيق ذلك"، مشيرا في الصدد ذاته إلى أن "المملكة لا تريد خلط الأوراق في ما يخص المساعدات والتركيز على التنسيق مع فرق قليلة تجنبا لتكرار سيناريو تسونامي الذي ضرب إندونيسيا في 2004، حيث حدثت أزمة كبيرة في تنسيق في المساعدات الدولية وفي ما بين فرق الإنقاذ الدولية".