بات من المؤكد أنه لابد من أن تلعب الطبقة الوسطى أو ما يصطلح عليه أحيانا بنخبة المجتمع دورها بكل ما له من أهمية قصوى في تنمية المجتمع والرقي بالجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فتشكيلة المجتمع المغربي تحوي في طيها نسبة مهمة من الأطر المنتسبة للطبقة الوسطى التي تظل قريبة إلى حد كبير بالطبقة الثالثة في كل المجتمعات، و مالها من تأثير على هاته الفئة المهمشة داخل المجتمع . "" فمن المنظور الشخصي تعد الطبقة الوسطى حلقة وصل بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة ،إذ بمكانتها الاعتبارية تظل دائما قريبة من الأولى ومحتكة بالثانية ،و لكن للأسف نجدها غائبة أو مغيبة إما بإرادتها أو عبر مجموع السياسات الرامية إلى إبعادها عن معترك الأحداث، فنرى أن قليلا منها فقط هو ما نجده فاعلا داخل المجتمع السياسي و المجتمع المدني، فالأغلبية منها تحكمت فيها لغة المصالح إلى حد تجاهل دورها في الفضاء العمومي. إذ انه لو لعبت دورها في المجالات المذكورة لتم كسب رهانات التنمية وفق عطاءاتها وقدرتها على ذلك في تحريك العجلة بدرجات تصاعدية.انطلاقا من موقعها الاجتماعي و تكوينها الثقافي و العلمي . إن طبقة المهندسين الفلاحين مثلا لو تحركت داخل المجتمع بشكل أكثر فاعلية لتأطير ومساعدة الفلاحين الصغار ودعم التعاونيات في هذا الباب لوجدنا أنفسنا أمام تطور عقلية الفلاح البسيط في مواجهة الصعوبات التي تصادفه في مجال عمله ومصدر عيشه وقوت أبنائه و أسرته . فكم اذن من المهندسين الفلاحين الذين انخرطوا و ينخرطون في مثل هاته المبادرات ؟ وقس على ذلك دور الأطباء في القيام بأوراش التوعية والتطور لمساعدة الآخرين حسب الإمكانيات والظروف، و كذلك الأساتذة الجامعيون في مساعدتهم للطلبة والتلاميذ من خلال مؤسسات البحث الأكاديمي النظري والميداني قصد إنتاج النخب الفكرية المستقبلية إضافة إلى دور المحامين والكتاب والأدباء... إنها صورة لتحريك مجتمع المعرفة بالياتها خدمة لمن هم في أمس الحاجة لها تطويرا لآليات التواصل والتضامن الاجتماعي والاقتصادي قصد تأهيل البلد للرقي والنماء في جميع الميادين. ينعكس هذا الأمر انطلاقا من رغبة هاته النخب في الانخراط الفاعل في مؤسسات المجتمع المدني والانخراط السياسي داخل الأحزاب السياسية و محاولة التأطير من داخل هاته المؤسسات و الهيئات. فغيابها بالشكل الملاحظ يثير العديد من التساؤلات ،من قبل :لمصلحة من هي غائبة ؟هل هي فعلا غائبة أم مغيبة؟ ثم لماذا لا يستفيد المجتمع المغربي من هؤلاء بالشكل المطلوب؟حتى نخلص من خلال هاته الإشكالية إلى البحث عن تفسير واضح و نحن نحتل ادني المراتب في سلا ليم التنمية البشرية و الاقتصادية و الاجتماعية، و نحن نغوص في مستنقع الفساد بكل أنواعه، ونحن نتألم بجروح الأزمات .ألا يدفع كل هذا إلى تحرك هاته الطبقة المنتمية اقتصاديا للبورجوازية المتوسطة؟ و بالموازاة مع ذلك ألا يجب على الحاكمين و المتدخلين في تسير الشأن العام إشراك هاته الفئة و توفير الأرضية و الإمكانات اللازمة لتحركها، و من تم دعوة الأحزاب السياسية لفتح أبوابها لهؤلاء النخب، بعيدا عن سياسة الجري وراء أرباب الأموال من منتهكي كرامة الفقراء وتزكيتهم في الانتخابات ،حيت انطلاقا منه قد نجد تفسيرا لهذا الغياب والبعد ، حتى جعلت رقاب الأحزاب وزعمائها تحت رحمة عينة المنتخبين الفاسدين ممن ألفوا البيع والشراء في ضمائر الناس والمواطنين، فكم نحن في حاجة إلى تدخل فئة الأطر و النخب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجال السياسي بحسن نية ونكران الذات وتقديم التضحيات لتحريك عجلة التنمية وذلك انطلاقا من الرغبة الملحة للمجتمع بكل مكوناته في ذلك. عموما يظل الفضاء العمومي السياسي مفتقدا لتدخلات الطبقة الوسطى بقوتها ودورها في خلق نوع من التوازنات داخل المشهد السياسي المغربي المتميز بالتشرذم وسيطرة الأعيان على المؤسسات المنتخبة عبر الاستعمال المفضوح للمال في الانتخابات ،وهذا ما يدعو الطبقة المتنورة لدخول معترك هذا الصراع لمحاربة طفيليات المستنقعات السياسية المتعفنة ،ودلك عبر نهج سياسة القرب بالطبقة الدنيا ودعمها بكل الإمكانيات المكتسبة والمتوفرة، تلك الطبقة المهمشة المسماة بالرعاع والمستغلة من طرف أولائك المفسدين ونحن على مقربة من محطة الانتخابات الجماعية باستغلال فقرهم وحاجتهم وأميتهم أيضا.