تدخل استعدادات المغرب لاحتضان واحدٍ من أعظم الأحداث الاقتصادية في العالم مرحلتها الأخيرة الحاسمة، في "باب إغلي" بمراكش؛ فيما تشهد على ذلك منذ منتصف الصيف الماضي أشغال تهيئة الطرقات ومداخل المدينة الحمراء لاستقبال وفود من حوالي 189 دولة. وبعد شهر بالتمام، من 9 إلى 15 أكتوبر 2023، ستصير مراكش "محَجَّ ومَقصِد" العالم لعقد الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. الحكومة المغربية ما فتئت تشدد، منذ أشهر، على "رمزية الاختيار" الذي تجعل منه "حدثا ذا رمزية مهمة بالنسبة للمغرب"، مسجلة تميزاً مغربياً يتمثل في عودة هذه الاجتماعات إلى أرض إفريقيا بعد ما يناهز 50 سنة (في نيروبي الكينية). التأكيد تجدد مع اقتراب الموعد الاقتصادي العالمي، وتوالي سلسلة اجتماعات وزيارات قادت مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى من "اللجنة الوطنية لقيادة تنظيم الاجتماعات العامة السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي" إلى مراكش؛ لعل آخرها الاجتماع الرابع والأخير المنعقد الخميس (سابع شتنبر) بالرباط. وتترقب "اجتماعات مراكش" حضور زهاء 14 ألف مشارك رفيع المستوى؛ من ضمنهم وزراء الاقتصاد والمالية ومحافظو البنوك المركزية في الدول الأعضاء، بالإضافة إلى ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص ووسائل الإعلام الدولية والمحلية والأوساط الأكاديمية. وبعد مرور شهرين على الزيارة التي قام بها عزيز أخنوش إلى مراكش، مرفوقاً بأعضاء اللجنة، والتي دعا خلالها مختلف الجهات المعنية إلى تسريع وتيرة العمل من أجل إنجاح هذا الحدث المهم، شكلت "آخر الترتيبات وجاهزية المغرب على كافة الأصعدة لاحتضان هذا الحدث الدولي البارز" محور هذا الاجتماع الحاسم مع دخول الاستعدادات مرحلتها الأخيرة، وفق بلاغ صحافي توصلت به هسبريس. وذكر رئيس الحكومة خلال الاجتماع أن المغرب "فرَض نفسه كوجهة مميزة لاستضافة تظاهرات عالمية تتطلب جودة التنظيم، بفضل مسيرة تنموية استثنائية خلال العقدين الأخيرين في ظل حكم الملك محمد السادس"، مبرزاً أن "احتضان المملكة المغربية الاجتماعات السنوية العامة لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي تنعقد بعد كل 3 سنوات في قارة مختلفة، ينمّ عن التقدير الكبير الذي يحظى به المغرب من طرف المؤسسات المالية الدولية". الحاضرون للاجتماع من وزراء قطاعات متدخلة ومدراء ومسيّري مؤسسات عمومية بارزة تابعوا عروضاً قُدّمت لإطلاع أعضاء اللجنة على مدى جاهزية المملكة لاحتضان هذا الحدث العالمي، فيما "تطرقت لمختلف الجوانب التنظيمية واللوجستيكية الكفيلة باستقبال المشاركين في أفضل الظروف"، حسب المصدر ذاته. سياق متغيّر مطبوع بالتوترات تفاعلاً مع الموضوع، سجل محمد الرهج، خبير اقتصادي وأستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، أن أول ما يجب ذكره هو "متغيّرات قوية طالت الظرفية العالمية لانعقاد الاجتماعات السنوية للمؤسستين الماليتين العالميتين، ليس فقط اقتصادياً بل جيو-سياسياً"، مؤكدا أن "الجائحة الوبائية كوفيد-19 وما تلاها من حرب في أوكرانيا غيَّرت ليس فقط من خرائط الاقتصاد العالمية، بل قلبَت مصفوفة من المفاهيم الاقتصادية والتجارية على الأخص". الرهج شرح في حديث لجريدة هسبريس أن "أولى المفاهيم التي انهارت جزئيا وتغيّرت هي العولمة التي لم تعد بتلك القوة التي بدأت بها مع اتفاقية التجارة العالمية تسعينيات القرن الماضي؛ بل صارت أغلب دول العالم تتوجه نحو تسبيق الأفضلية الوطنية في تصنيعها واقتصاداتها وتتنافس لحمايته من تقلبات خارجية". ثاني متغير بحسب الخبير الاقتصادي ذاته هو "هشاشة اقتصادات الدول النامية"، مستدلا في هذا الصدد ب"ما خلفته حرب أوكرانيا من تهديد لسلام الأمن الغذائي والطاقي العالمي"، ومضيفاً إليه عاملا ثالثا لا يقل أهمية، وهو "تحوّل خريطة سلاسل القيمة العالمية والتموين الخاص بالمواد الأولية الأساسية في صناعات حاسمة وذات قيمة مضافة، لاسيما أزمة أشباه الموصلات وارتفاع صاروخي لتكاليف الشحن والنقل واللوجيستيك البحري". ملفات متوافق عليها حسب المعلن عنه سابقا فإن محاور الاجتماعات العامة السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تتعلق ب 6 مواضيع رئيسية؛ هي الشمول المالي والرقمي، والتنمية المستدامة، وإصلاحات المؤسسات المالية الدولية؛ إضافة إلى ريادة الأعمال والابتكار، وشبكات الأمان الاجتماعي، فضلا عن التسامح والتعايش. وفضلا عن كونها موعدا سنويا يجمع فاعلين دوليين رفيعي المستوى في الاقتصاد والمالية، بهدف "بحث حلول لتحديات المستقبل"، أكد الرهج أن "النقاش العام للاجتماعات من المرتقب أن يشمل مواضيع وملفات اقتصادية بارزة تشكل موضوع تفاهم وتوافق عالمي"، لافتا إلى أنه "سيتم تجنب مواضيع الخلاف في هذا السياق العالمي المتسم باستمرار ركود وجمود نمو الاقتصاد العالمي، رغم التعافي التدريجي الذي أظهرته الصين مؤخرا، وبروز مناطق وقوى اقتصادية صاعدة جديدة، فضلا عن محورية القارة الإفريقية". وعدّد أستاذ الاقتصاد في هذا الصدد مجموعة من الملفات التي يتقاطع فيها الاجتماعي بالاقتصادي، مؤكدا أن "تركيز القادة الاقتصاديين، لاسيما مدراء ومحافظي البنوك المركزية العالمية، سينصب على نقاش أسعار الفائدة في علاقتها بكبح موجات التضخم وصدماته الأخيرة، خاصة أن معدله العالمي من المنتظر أن ينهي سنة 2023 ب %7 أو 8%". من جهة أخرى سيشمل نقاش اجتماعات مراكش، حسب المتحدث، "إشكالية البيانات الشخصية وحقوقها المرتبطة بالإنسان في زمن الاصطناعي، وهو ما قد يعيق تقدم تعميم عمليات الشمول المالي الرقمي واستخدام التكنولوجيا في المال والأعمال". وبحسب الرهج فلن تطغى النقاشات المرتبطة ب"طموحات دول قوية صاعدة اقتصاديا كالصين وروسيا والهند في خلق معسكر مالي واقتصادي خاص بها؛ خاصة مع توسّع أخير شهدته مجموعة بريكس"، على أشغال الاجتماعات "إلاّ بشكل غير رسمي". وسبق للمديرة العامة الرئيس التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أن أكدت أواخر غشت الماضي أن الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مراكش، في أكتوبر المقبل، "ستتناول بشكل خاص الآفاق المتاحة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بإفريقيا، بما فيها المغرب". وأضافت غورغييفا، في حوار مع "سي إن إن" الأمريكية، أنه "سيتم أيضا التركيز على الفرص التي يوفرها الشباب في إفريقيا لصالح القارة وبقية العالم"، مؤكدة أن "هذا يعكس حرص صندوق النقد الدولي على العمل مع البلدان لحماية النفقات الاجتماعية، ورفع جودة الإنفاق على التعليم وجودة الإنفاق على الصحة والحماية الاجتماعية". من جهتها، كانت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أشارت في 25 يوليوز، خلال مساءلتها بمجلس المستشارين، إلى أن "ترتيبات استضافة الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي من المقرر أن تحتضنها مدينة مراكش في أكتوبر المقبل، تتم بوتيرة مهمة جدا"، لافتة إلى أنه ستتم تهيئة فضاء بمساحة 25 هكتارا لاستضافة هذا الحدث الكبير، فضلا عن التعبئة التامة للمطارات والفنادق ووسائل النقل وطنيا ومحليا.