مع توالي إصدار الأرصاد الجوية المغربية نشرات حر إنذارية من مستوى يقظة برتقالي تجاوزت عتبة الخمسين درجة مئوية الأسبوع الماضي، يتواصل بالموازاة خطر اندلاع حرائق غابوية في عدد من أقاليم المملكة، رغم اقتراب شهر غشت من نهايته. وتستمر نشرات الوكالة الوطنية للمياه والغابات في التحذير من مخاطر نشوب حرائق؛ وهو ما أبان عنه أحدَث تحليل للبيانات المتعلقة خصوصا ب"نوعية الغطاء الغابوي وقابليته للاشتعال والاحتراق، والتوقعات المناخية والظروف الطبوغرافية"، مؤكدا استمرار أقاليم طنجةأصيلة، شفشاون، تاونات، تازة، وجدة أنكاد، أكادير إداوتنان والصويرة، في خانة "خطورة قصوى (المستوى الأحمر)" مع بداية الأسبوع. وحسب الخريطة التفاعلية التي توصلت بها جريدة هسبريس فإن نهاية هذا الأسبوع وبداية الأسبوع القادم مازالت تحت رحمة "مخاطر جدّية لاندلاع حرائق"، ابتداء من السبت 19 غشت إلى غاية يوم الإثنين 21 غشت 2023 على الساعة 23:59. وبناءً على معطيات علمية وخرائط تنبؤ دقيقة، حددت الوكالة الوصية المناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق الغابوية، إذ تم تحديد خطورة مرتفعة (المستوى البرتقالي) في كل من أقاليم فحص أنجرة، تطوان، العرائش، وزان، الحسيمة، بركان، الناظور، الدريوش، جرادة، صفرو، إفران، خنيفرة، خميسات، سيدي سليمان، تارودانت وتيزنيت. أما المستوى الأصفر، ذو الخطورة المتوسطة، فيطال حسب منظومة التتبع الوطنية كلا من أقاليم القنيطرة، الرباط، سلا، الصخيراتتمارة، الحوز، بني ملال، أزيلال، اشتوكة آيت باها وإنزكان–آيت ملول، وذلك طيلة الفترة ذاتها. وكالة الغابات جددت وصاياها بضرورة "توخي الحيطة والحذر من طرف الساكنة المجاورة للمجالات الغابوية أو العاملين بها، وكذلك من طرف المصطافين والزوار، لتفادي أي نشاط قد يسبب اندلاع الحريق"، داعية إلى "إبلاغ السلطات المحلية بسرعة في حال رصد أي دخان أو سلوك مشبوه". عبد الرحيم هندوف، خبير بيئي مغربي، توقع أن يستمر خطر موسم الحرائق الصيفية بالمغرب، على غرار عدد من دول الحوض المتوسطي، قائلا: "مازال خطر الاندلاع قائماً حتى شهر شتنبر المقبل، في حال ما إذا استمرت الأوضاع المناخية الحالية التي تتميز بدرجات حرارة قياسية، مدعومة برياح ظاهرة 'الشركَي' التي عمّت أرجاء البلاد". وتابع هندوف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن "الإنسان يظل في جميع الأحوال هو سبب ومصدر الحرائق، بالإضافة إلى آثار التغير الحراري التي تتحالف مع طبيعة الوضع في كل إقليم؛ لأن النيران لا تأتي لوحدها، بل يمكن لسلوك متهور بسيط في الغابة أن يشعل حريقا لعدة أيام..."، مسجلاً أن الملاحظة العلمية للظاهرة كشفت أنه "حينما لا تكون الحرارة مرتفعة بشكل يفوق المعتاد فإن سرعة انتشار أي حريق غابوي لا تكون كبيرة بشكل قد يعقّد مهمة إطفائها". وأشار الخبير البيئي المتابع للشأن الغابوي بالمغرب إلى أن "توالي حرائق صيف 2022، التي كانت الأضخم في السنين القليلة المنصرمة، أكسبت المملكة وسلطاتها المختصة تجربة كبيرة في استباق ومكافحة الحرائق"، راصداً "وعياً متصاعداً بين المواطنين بضرورة الحفاظ على التنوع البيولوجي الغابوي، لأن الحرائق هي التهديد الأول بالنسبة لضمان التوازنات الإيكولوجية والسوسيو-اقتصادية للمجالات الغابوية وقاطنيها". "الإمكانيات المادية والبشرية المرصودة لوكالة المياه والغابات تظل ضعيفة مقارنة مع المهام الجسيمة في تدبير أكثر من 9000 هكتار من الغابات بالمغرب"، يلفت المصرح ذاته، مشددا على أن "الغابة ليست فقط مكانا للاصطياف، بل تلعب دور ضابط التوازنات الإيكولوجية والطبيعية، فضلا عن كونها حاجزا طبيعيا ضد زحف التصحر"، قبل أن يخلص إلى "حيوية واستعجالية رفع نسبة إعادة التشجير/التخليف الغابوي، مع مواكبة التجربة المغربية المتراكمة في مكافحة الحرائق بالبحث العلمي المبتكر". "ضرورة استمرار اليقظة" بدوره، أشاد رشيد فاسح، فاعل مدني في قضايا المناخ والتنمية المستدامة، بما تقوم به الوكالة الوصية من مجهودات استباقية من أجل "تحديد وتحيين المناطق المعنية بخطر اندلاع النيران، بتعاون مع مصالح الأرصاد"، مشيرا إلى أهمية دور المواطنين أيضا، "والتوعية والتحسيس بالنسبة للساكنة القاطنة بمناطق التحذير من خطر اندلاع حرائق الغابات، لكي تتعامل بحذر شديد مع الفضاء الغابوي إلى حين مرور الفترة الحرجة التي تعرف موجة حر مفرطة وهبوب رياح شرقية–صحراوية جافة"، لأن "نسبة تقارب 95% من أسباب الحرائق راجعة إلى العامل البشري في حد ذاته"، وفق قوله. فاسح لم يفُتْه ضمن حديثه لهسبريس أن يؤكد على تداخل الإشكالات البيئية/المناخية بالمائية، على أن "أغلب مناطق اندلاع النيران تكون في مناطق وعرة تضاريسياً تتسم بشح المياه وصعوبة تزود طائرات 'كنادير' بها من أجل إطفائها، ما يستدعي رفع مستوى اليقظة أكثر في ظل أزمة الموارد المائية التي تعيش على إيقاعها المملكة". وشدد الخبير الإيكولوجي ذاته على أن "مستوى اليقظة تجاه الحرائق الغابوية بالمغرب لا يجب أن يكون فقط محصورا خلال أشهر الصيف، نظراً لظاهرة تداخل الفصول، إذ يمكن لاشتداد الحرارة مرفوقا ب'الشركي' أن يستمر إلى أشهر الخريف (نونبر أو دجنبر)".