الخط : إستمع للمقال مالي ترفض وصاية جارتها الشمالية واستعلائها الأبوي، وكما ترفض أن تكون أداتها لتحقيق أهداف سياسية خارجية. التصعيد الجزائري الديبلوماسي تزامن مع عمليات إرهابية في مالي.. التي يبدو أنها تتحدث كذلك باسم بوركينا فاسو والنيجر.. أصدرت وزارة الخارجية في دولة مالي بيانا شديد اللهجة، ردا على تصريحات وزير دولة العسكر أحمد عطاف. وهي المرة الثانية في أقل من سنة التي تعود فيها الخارجية المالية إلى التنديد بسياسة جارتها الشمالية إزاء وضعها الداخلي. وأعربت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي عن قلقها البالغ إزاء استمرار ممارسات التدخل من بعض السلطات الجزائرية، والتي يُنظر إليها على أنها تعبير عن نزعة أبوية متعالية. وتأسس موقف القيادة المالية على عناصر أخرى وردت في بيان الخارجية تدفع إلى التفكير: أول هاته العناصر ، أن البلاغ الحالي يحيل على البيان السابق رقم 064 الصادر عن الحكومة الانتقالية المالية في 25 يناير 2024. وهي إشارة تأطيرية للموقف الحالي، ذلك أن البيان المشار إليه يحيل على إعلان المجلس العسكري الحاكم في مالي «إنهاء اتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر مع الجماعات الانفصالية الشمالية، بأثر فوري، بعد أشهر من الأعمال العدائية بين المسلحين والجيش». وهو ما يعني باللغة المباشرة إنهاء دور الجزائر في الساحة السياسية المالية. وقتها قال المتحدث باسم الحكومة العقيد عبد الله مايغا، في بيان على التلفزيون «إن المجلس العسكري يعزو مسؤولية إنهاء الاتفاق إلى التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة وكذلك الأعمال العدائية من جانب الوسيط الرئيسي الجزائر». 2 ثاني هاته العناصر هو رفض الدروس من طرف دولة العسكر الشمالية في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب. وهي إشارة إلى ما تريد أن تقوم به الجزائر من تغطية ديبلوماسية لفصائل انفصالية وأخرى إرهابية تحارب الدولة المالية وتحويلها إلى دوات ضغط. ولعل ما يثير التساؤل هو التزامن الدقيق (ساعات فقط) بين تصريحات وزير خارجية الجزائر عطاف وبين الهجمات التي وقعت في بلاد مالي! وفي هذا السياق يندرج إعلان الجيش المالي أنه قتل ما لا يقل عن 21 إرهابيا خلال إحباط هجوم «معقد» تم تنفيذه في وسط مالي. وأوضحت القوات المسلحة المالية، في بيان لها، أنها «صدت هجوما إرهابيا معقدا (...) وفشل، الإرهابيون، بأعداد كبيرة، في هذا الهجوم أثناء مواجهتهم بالقوة خلال قتال عنيف». وركز بيان الجيش على «الغنيمة» الحربية بالتفصيل والتركيز على «أن الإرهابيين تركوا خلفهم 21 جثة وأسلحة وذخيرة ومعدات عسكرية أخرى متنوعة». المصدر ذاته شدد على أن «القوات المسلحة أظهرت احترافية ورد فعل سريع مكن من صد العدو مع الحد من الخسائر في الأرواح». وهي إشارة لا تخلو من رسائل ديبلوماسية إلى السلطة الجزائرية، مفادها أن الدولة الإفريقية الساحلية لا تحتاج دروسا في محاربة أعدائها. وذلك ما عبرت عنه بلغة واضحة كذلك عند الإشارة في بيانها الأخير «إلى أن سياسة مكافحة الجماعات الإرهابية هي حق سيادي بحت يعود لجمهورية مالي». كما ذكرت وزارة الخارجية المالية، «بأنه لا يُطلب منها تقديم الدروس في مكافحة الإرهاب، حيث إن مالي تتبنى استراتيجيتها الخاصة التي تتماشى مع احتياجاتها الوطنية». 3 لا تتكلم مالي، في بلاغها الحالي باسمها الذاتي فقط، إذ يبدو أنها تتكلم باسم كونفدرالية دول الساحل، والتي تضمها إلى جانب النيجر وبوركينا فاسو. ويتضح ذلك من خلال إشارة البيان مرتين إلى هذا التجمع الإقليمي، الذي كانت الجزائر تعتبره مجالها الحيوي، بل إنها تعتبر النيجر شريانها الغازي المنتظر. وفي هذا السياق أشار البيان إلى: أن الحرب ضد الإرهاب هي حرب سيادية «يتوجَّب أن تُعتمد على أساس التعاون بين تحالف دول الساحل» الإشارة مجددًا في نهاية البيان إلى « التزام مالي، بالشراكة مع بوركينا فاسو وجمهورية النيجر في كنفدرالية دول الساحل، بالقضاء على الإرهاب بجميع أشكاله».وهو مايعني أن الموقف موقف موحد، يلتزم به الجميع ... ضد الجزائر! الخلاصة أنه، مرت سنة على إنهاء دولة مالي ، لما يسمى باتفاقية الجزائر الموقعة في 2015 والتي كانت تمنح لدولة الجزائر دورا محوريا في الأزمة المالية. ولم يهضم نظام العسكر إخراجه من المعادلة الداخلية والإقليمية في مالي، التي كان يتخذها ذريعة للعمل الديبلوماسي في المنطقة ولا سيما في منطقة الساحل، بل يعتبر بأنه الوصي الجيوسياسي على الدول الموجودة في هذا المحور. والأخطر من ذلك أن الجزائر تريد أن تحل محل دولة مالي في المفاوضات ! لا بد من العودة إلى قرار وقف التدخل المالي لفهم ما يجري الآن: فقد كانت النخبة الحاكمة الجديدة في مالي قد بنت موقفها بإلغاء اتفاق الجارة الشمالية لبلادها، على أساس العناصر التالية: الاجتماعات المتكرّرة التي تعقد في الجزائر على أعلى المستويات، ومن دون أدنى علم، أو تدخّل من السلطات المالية.. الاجتماعات ضمت أشخاصا معروفين بعدائهم للحكومة المالية، وبعض الحركات الموقّعة على اتفاق 2015، والتي اختارت المعسكر الإرهابي.. دعت الدولة المالية «الجانب الجزائري إلى تفضيل مسار التشاور مع السلطات المالية، السلطات الشرعية الوحيدة، للحفاظ على تواصل من دولة لدولة مع شركاء مالي». وهو ما لم تستجب له الجزائر وعسكرها.. علاوة على ذلك، لم تخل السنة من مواجهات بين الطرفين في الأممالمتحدة، كما وقع في شتنبر من السنة التي ودعناها، خلال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يومها انتقد وزير الدولة والمتحدث بإسم الحكومة الانتقالية المالية العقيد عبد الله مايغا التدخل الجزائري واتهمها مباشرة باحتضان الإرهابيين. ووصل هجومه إلى درجة أن وصف «المندوب الجزائري في الأممالمتحدة بالمخبول الذي يعتقد خطأً أن مالي ولاية جزائرية..»! تماما كما حوَّل قيسُ سعيَّد تونسَ .. إلى ملحقة جزائرية. الوسوم أزمات الجزائر أمن تونسي المغرب فرنسا