توالت ربيع وصيف ثلاثة وعشرين وألفين ميلادية حملات مسعورة على المصحف الشريف مرخصة ومحمية من قبل الشرطة في كل من السويد والدانمارك من قبل بعض المتطرفين.. وما فعلوا فعلتهم الشنيعة إلا بجهلهم لما يحويه من درر نفيسة.. ومثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا.. بل إنهم لأقل شأنًا من الحمار.. فالأخير لم يلق بالأسفار ولم يدنسها.. وأما لو كانوا عقلوه لكان خيرًا لهم ولو كانوا فقهوه لعضوا عليه بالنواجذ ولانتفعوا منه في الحياة الدنيا قبل الآخرة العليا. والحقيقة أن ليست تلكم الشرذمة وحدها من تدنس المصحف وتحرقه، بل المصحف يحرق كل حين ومرة من قبل المسلمين أنفسهم بمخالفة أوامره وإتيان نواهيه.. فشارب الخمر ولاعب الميسر وآكل الربا وقاطع الرحم والمخلف العهد والراشي والسارق والمنافق والخائن والقاتل والعاق والزاني... كلهم محرقون للمصحف. لا أقول قبل التنديد بجرائم أولئك الحمقى والمغفلين، وإنما بعده ثم بعده.. لأن حبنا لكلام ربنا جل جلاله وكتبه ولنبينا صلوات ربي وسلامه عليه وسنته قيم عليا بل إنها سنم القيم، فبعد التنديد بتدنيس المصحف لا يسعنا إلا أن نعيد النظر في علاقتنا به وأن نسأل أنفسنا إن كنا نقدسه حق قداسته ونعظمه حق عظمته ونوتيه مكانته الرفيعة التي يستحقها.. فالقرآن ليس آيات تتلى في الصلوات وترتل في الخلوات وتحفظ في الصدور فقط، وإنما هو دستور حياتنا ومنظم علاقاتنا ومهذب أنفسنا وملجم شهواتنا.. نحيى به فوق الأرض ونستأنس بنوره في ظلمة القبر.