في الأسبوع الماضي احتضن مقر الأممالمتحدة في نيويورك مؤتمرا دوليا عقدته رابطة العالم الإسلامي يوم الأٍربعاء 14 يونيو الجاري، وتم خلاله الإعلان عن إطلاق مبادرة الرابطة حول "بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب". وحضر هذا الحدث رئيس الجمعية العمومية بالأممالمتحدة، السيد سابا كوروشي، والأمين العام للأمم المتحدة ممثلا في نائبته السيدة أمينة محمد، والمبعوث السامي لتحالف الحضارات، السيد ميغيل موراتينوس، والمستشار الخاص لتعدد الثقافات والأديان بالأممالمتحدة، السيد آرثر ويلسون. كما حضره موظفون سامون في الأممالمتحدةالأممالمتحدة، وممثلو البعثات الدائمة للدول الأعضاء في الأممالمتحدة، والقادة الدينيون من مختلف الأطياف، وممثلو منظمات المجتمع المدني والباحثون والخبراء المتخصصون في قضايا الحوار والسلام والتعايش بين الشعوب. وفي هذه المناسبة ألقى الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام للرابطة، رئيس هيئة علماء المسلمين، كلمة أكد في مستهلها على أهمية تعزيز التحالف الحضاري، مبرزا أن لكل حضارة هُوِيَّتَها الخاصةَ بها، التي لا بد من تَفَهُّم حقها في الوجود، مهما كان الخلاف معها. وأشار إلى أن التواصل للتعارف والتعاون بين الأمم والشعوب هو نداء إلهي في كل الشرائع السماوية، وفي الإسلام تحديدا يقول الله تعالى: "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". وأوضح أن لكل حضارة خصوصيتُها وحقُّها في الوجود، ولا يمكن الدعوة لانصهار الحضارات في حضارة واحدة، كما لا يمكن أن تتفوق حضارة على أخرى إلا بالحقيقة التي تمتلكها وليس بهمجية القوة. وأكد أنه لا يزال التاريخ الإنساني (من حين لآخر) يزودنا بصور مؤلمة لنتائج صدام حضاريّ بين الشرق والغرب، ودعا الدول الأعضاء في الأممالمتحدة لتبني اقتراح على الجمعية العمومية لتخصيص يوم عالمي للتحالف الحضاري بين الشرق الغرب، وذلك لتحفيز أمم وشعوب الشرق والغرب نحو المزيد من الثقة المتبادلة والتفاهم والتعاون الفاعل في مواجهة المحرضين والمستفيدين من تصعيد الأفكار المتشائمة لنظرية الصدام الحضاري، وكذلك في مواجهة تعميم الأحكام والانطباعات على الجميع بناء على خطأ فردي أو خطأ مجموعات متطرفة، وكذلك دعوة الدول الأعضاء لتعزيز قيم السلام والوئام بين الأمم والشعوب في مناهجها التعليمية. لقد أصبحت رابطة العالم الإسلامي من أهم المنظمات الدولية التي تدافع عن الرسالة النبيلة والحضارية للأديان، كما أنها استطاعت أن تكون في طليعة المؤسسات الفكرية التي تهتم بالحوار والتعايش بين أتباع الأديان ونشر قيم السلام والعدل الوئام. ويعود الإشعاع الدولي المتنامي للرابطة إلى الرؤية العميقة والحكيمة لأمينها العام الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، وثمرة لجهوده المتواصلة والمتنوعة منذ تعيينه على رأس هذه المنظمة الدولية المستقلة التي يوجد مقرها في مدينة مكةالمكرمة، وتعنى بإيضاح حقيقة الإسلام وتعزيز الصداقة بين الشعوب، وتنضوي تحت لوائها كافة الدول والمذاهب الإسلامية. وحرص الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي على الاستثمار الأمثل والأنجع للمشتركات الإنسانية وتوجيهها لتحقيق التعاون مع الآخر، والإسهام في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، وترسيخ الاعتدال العالمي، ومكافحة العنف والتطرف وتقوية علاقات التعاون والتفاهم والتسامح والمحبة بين أتباع الأديان. وبذلك يعد اليوم من أكثر الشخصيات الفكرية والقيادات الثقافية الرائدة في مجال الديبلوماسية الدينية. فكان جديرا بنيل العديد من الجوائز من داخل العالم الإسلامي وخارجه، ومن بينها ما له علاقة بموضوع هذا المقال وهي جائزة النرويج "باني الجسور" العالمية لعام 2021. إن إطلاق الرابطة لمبادرة "بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب" من مقر الأممالمتحدة في نيويورك يكتسي أهمية بالغة، ويعطي لهذه المبادرة أبعادا دولية من منطلق إسلامي حضاري يسهم في إبراز الصورة الحقيقة للإسلام وانفتاحه على الثقافات والديانات الأخرى وتعاونه مع قياداتها، من أجل نشر قيم السلام والمحبة والوئام وسد الطريق على مروجي خطاب الكراهية وناشري أفكار التطرف والغلو والعنف والإرهاب. كما أن إطلاق هذه المبادرة العالمي ينسجم مع رؤية الرابطة الاستشرافية والقناعات الفكرية لأمينها العام الشيخ العيسى الذي يؤمن بأن الحوار هو خير وسيلة لضمان التعايش السلمي بين الشعوب وإزالة أسباب سوء الفهم وتشويه صورة الآخر وثقافته وحضارته. ومما يؤكد البعد الإنساني والدولي لمبادرة رابطة العالم الإسلامي حول "بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب"، أنها حظيت بالدعم الكامل لهيئة الأممالمتحدة، حيث استقبل الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للرابطة في مقر الأممالمتحدة، في نيويورك 18 يونيو الجاري، وتباحث معه حول آفاق التعاون الثنائي من أجل التنفيذ الميداني لبرامج وأنشطة هذه المبادرة لفائدة الإنسانية جمعاء، وتعزيز قيم الاعتدال حول العالم، والحد من كراهية الإسلام، وتفعيل دور القيادات الدينية في دعم السلام والوئام. إن الدعم الأممي لمبادرة رابطة العالم الإسلامي يعد اعترافا دوليا مستحقا بما تقوم به الرابطة وأمينها العام من جهود جبارة في مجال نشر قيم السلام والوئام والمحبة والإخاء بين المجتمعات الإنسانية، من خلال تعزيز الحوار الفعال ونشر القيم الإنسانية المشتركة وتقوية التفاهم والتسامح والتعاون بين أتباع الأديان والخروج من دائرة الانغلاق الفكري والاحتقان الثقافي والصدام الحضاري. كما يعد تقديرا رفيعا من هيئة الأممالمتحدة، واعترافا بالبعد الحضاري للإسلام وبرسالته العالمية والإنسانية السمحة.