أصبحت إدارة السجون بالمغرب ابتداء من عهد الاستقلال تقوم بدور طلائعي في مجال التأهيل وإعادة الإدماج، وكان ذلك نتيجة حتمية للتطور الذي عرفته المندوبية العامة للسجون بالمغرب في شتى مجالات اختصاصاتها وتنظيماتها، فقد حرصت مديرية السجون منذ عهد الاستقلال بجميع أطرها على تحقيق مخططات برامج العمل على الصعيدين الحالي والمستقبلي رغبة في الترقي بمستوى المؤسسات الإصلاحية إلى أن تصبح مواكبة على مدى الأزمنة والحقب التاريخية للركب الحضاري الذي تعرفه مثيلاتها في جميع المجالات، فإذا كان الدور الإصلاحي والاجتماعي الذي تقوم به المندوبية العامة للسجون يحتل مرتبة عليا ويوليه المسؤولون اهتماما كبيرا فما ذلك إلا نتيجة حتمية للهدف الرئيسي الذي تعمل المؤسسات الإصلاحية من أجل تحقيقه، ألا وهو إصلاح السجناء وتأهيلهم وتهذيبهم. فأصبحت بذلك المؤسسات العقابية تعتبر قبل كل شيء مؤسسات إصلاحية واجتماعية، وأصبح بالتالي جميع أطرها يعتبرون بمثابة مربين ومرشدين اجتماعيين يهدفون من وراء القيام بمهاهم أولا وقبل كل شيء إلى مد يد المساعدة للسجناء بجميع فئاتهم وأصنافهم، وذلك حتى يمكنوهم من إعادة تكييف حياتهم من جديد بما فيه الصالح الخاص والعام، بل إن هذا الدور الإصلاحي والاجتماعي الذي تقوم به مديرية السجون لم يتوقف فقط عند تأهيل وتهذيب وإصلاح السجناء أثناء تواجدهم بالمؤسسات الإصلاحية، فبالرجوع إلى القانون 23.98 يلاحظ أنه تضمن عدة فقرات متعلقة بتأمين إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع. آليات تحسين ظروف الاعتقال حسب القانون 23,98 أكدت المواد 12.11.10.8... من القانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية أن غرض المؤسسات السجنية هو تأمين وتطوير سبل إعادة إدماج المدانين في المجتمع، ولهذه الغاية نص القانون 23.98 على وجوب تحسين ظروف الاعتقال من خلال المادة 113 التي أوضح فيها المشرع أن الاعتقال يجب أن يتم في ظروف تتوفر فيها الشروط المادية والمعنوية لحفظ كرامة السجين، كما أكدت المادة 123 وما بعدها ضرورة استجابة محلات الاعتقال لمتطلبات الصحة والنظافة، وكذلك الحيز الهوائي والمساحة الدنيا والمناخ والتدفئة والإنارة والتهوية (المادة 114)، وكذا تخصيص فرصة للتمارين الرياضية (المادة 116.115). وقد حددت المادة 84 وما بعدها من مرسوم 3 نونبر 2000 ظروف الإقامة والإنارة والنظافة، كما نصت المادة 76 من المرسوم على ضرورة العناية بوسائل التغذية، وذلك من خلال التنصيص على عدد الوجبات والتأكيد أن تكون كافية ومتوازنة من الناحية الصحية. واهتم القانون 23.98 بعلاقة المحكوم عليه بالخارج. ومن الإصلاحات المستحقة بموجب هذا القانون، السماح للمحكوم عليهم بالخروج مؤقتا من المؤسسة السجنية بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية، وبما أن اتصال المحكوم عليه بالعالم الخارجي يعتبر جزءا من إعادة التأهيل الاجتماعي، فقد خصص هذا القانون مجموعة من القواعد من 74 إلى 97 حث من خلالها على إبقاء الصلة بين المسجونين والمجتمع الخارجي، وجدير بالذكر أن هذه القواعد تعكس تطورا ملحوظا في أسلوب علاقة المعتقلين مع ذويهم، حيث كانت الزيارات تتم بطريقة محاطة بحواجز من الأسلاك الحديدية، أما في ظل القانون الجديد فقد حصل تطور ملحوظ حيث أصبحت الزيارة تتم بطريقة إنسانية لا تفصل بين السجين وذويه الأسلاك الحديدية المتشابكة (المادة 76). ولتعزيز أواصر التواصل بين السجين والمجتمع الخارجي، فقد سمح هذا القانون للمنظمات الحقوقية والجمعيات بزيارة السجناء (المادة 84). تأهيل الموارد البشرية لإدارة السجون مهما كان عدد النصوص التي يضمن من خلالها المشرع حقوق السجين، فإنها ستبقى فارغة من محتواها إذا لم يسهر على تطبيقها موظفون على مستوى كبير من الوعي بحقوق الإنسان بصفة عامة، وحقوق السجين بصفة خاصة. لذلك، فإن المؤهلات الضرورية لموظفي السجون أصبحت عنصرا أساسيا لتحقيق معاملة إنسانية، والابتعاد عن تلك العلاقة المشحونة بالحقد والكراهية التي كانت تربط الموظف بالمسجون، وهي علاقة كان يؤطرها المفهوم التقليدي للعقوبة السالبة للحرية والدور السلبي للسجن. من هنا، فإن قراءة سريعة للقانون 23.98 والمرسوم الصادر بشأن تطبيقه تؤكد أن هناك قفزة قوية في هذا المجال، حيث تمنع المادة الثالثة من المرسوم على موظفي إدارة السجون: استعمال العنف. مخاطبة المعتقلين بألفاظ مهينة أو بذيئة. مزاولة العمل في حالة سكر أو تحت تأثير مواد مخدرة. النوم أثناء العمل أو مغادرة مركز العمل. التخلي عن السلاح أو تركه دون حراسة. تكليف المعتقلين بمهام خارجة عن الأشغال العامة. كما تحث المادة الرابعة الموظفين على ضرورة معاملة السجناء معاملة حسنة تقوم على المساواة وبدون تمييز. وإذا رجعنا إلى مقتضيات المواد 29.30.31.41.74 من القانون 23.98 والمادة 22 من المرسوم الصادر بشأن تطبيقه، نستنتج أن موظفي السجون لا يمكن أن يقوموا بواجبهم إلا إذا كانوا على إلمام بالمبادئ الأولية في علم الإجرام وعلم العقاب وعلم الاجتماع وعلم النفس. وعموما، يمكن القول بأن القانون 28.93 قد كرس مجموعة من الحقوق لفائدة السجين غير أن الممارسة الفعلية لهذه الحقوق تصطدم بمشاكل كثيرة تأتي على رأسها مشكلة الاكتظاظ التي تتفرع عنها بالضرورة مشاكل أخرى مرتبطة بالعنف والأمراض والاغتصاب وما إلى ذلك من الظواهر التي تميز عالم السجن، وبالإضافة إلى محدودية الطاقة الاستيعابية لهذه المؤسسات، فإن بنياتها التحتية تظل هشة ومفتقرة لأدنى شروط الكرامة، وتظل أيضا بعيدة عن المواصفات التقنية الإنسانية والصحية، فأغلب السجون تستوجب الإغلاق أو الإصلاح والترميم حتى تكون أكثر استجابة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ختاما، إذا كانت ملاءمة السياسة العقابية الحالية لسياسة الإصلاح الرامية إلى إعادة إدماج السجين بعد الإفراج تعد أولوية وضرورة ملحة في الظرف الراهن، فإن ما لا يجب إغفاله هو أن الاهتمام بالمؤسسات السجنية وتمكينها من المؤهلات المادية والبشرية اللازمة للاضطلاع بالدور الإصلاحي والتربوي على الوجه المطلوب، لا يقل أهمية وأولوية في سبيل إنجاح السياسة العقابية وفق مرجعية تعمل على تحقيق التوازن بين احترام كرامة السجين من خلال القطع مع الممارسات التعسفية لتدبير ظروف الاعتقال، والتطبيق العادل للقانون قصد توفير الأمن العام داخل المؤسسات السجنية. (*) باحث في العلوم الجنائية