انتخابات ،وأحزاب، وسلطة "" ما أشبه اليوم بالبارحة .. وما أشبه انتخابات اليوم بانتخابات الأمس .. صورة واحدة بألوان مختلفة .. موضوع واحد بقراءات متعددة .. الكل يمتح من معين واحد لايتغير .. معين المخادعة والنفاق و"اتخلويض" .. أحزاب كعلب السردين تصطف على طول ربوع هذا الوطن الحبيب .. تتلاعب بمصير أبنائه ، وتستنزف أمواله وثرواته في مسلسل من الوعود و النفوذ و"الزرود" ، وفي حماية من الحياد السلبي لسلطة تتقن اللعب على أكثر من حبل ، لحفظ توازنات هشة ، لواقع حزبي مترهل ، لا يقيم لهذا الشعب أدنى معاني الاعتبار بله المشاركة والاختيار!! أحزاب عفا عنها الزمن السياسي كما الطبيعي .. لا تستحيي أن تتبجح - عقب ظهور النتائج النهائية - أنها الأقوى والأكبر و..." والله أكبر"!! .. وأنها قد نالت رضى وثقة هذا الشعب المنهوك ،المغلوب على أمره ... و نحن نقول لها : حسبك أن تتصدري المراتب الأولى مع أحزاب - كنت ولا زلت -تعتبرينها أحزاب إدارية مفبركة ؛ لتعلمي أن تصدرك لهذه المراتب "المشرفة جدا" بلغة الأرقام؛ لا معنى له سوى أنك في مرتبة واحدة مع من كانوا يحلبون خيرات هذا الوطن ،ويمتصون دماءه ،ويرقصون على جراحه ... فأنت - في عيون هذا الشعب - لا تمثلين إلا نفسك .وما الأصوات التي حصلت عليها في الاستحقاقات الاخيرة إلا تحصيل لواقع مرير عرفت كيف تلعبين على جراحه ،لِمَا أحدثت من الجوقة والصراخ و"اتشلهيب" أثناء "حملتك" المعلومة عليه؛ فنلت أصوات أقل من ثلث الكتلة الناخبة ، وهي أضعف نسبة يعرفها مغرب ما بعد الاستقلال .وهي نسبة معقولة ،وتمثل - بالفعل - نسبة الذين يرفعون معك شعار :" ليس بالإمكان أحسن مما كان " ؛ وهي كذلك نسبة الذين لا يفرقون بين الأحزاب الإدارية المفبركة، و"التقدمية الديمقراطية"! بل يعدون الجميع ملة واحدة . ولسان حالهم يقول : ليس في القنافذ أملس "!! يذهب البعض - ممن نضح علمهم عن الحاجة!!- في تفسيرهم لضعف المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى أن المغاربة كانوا دائما عازفين عن المشاركة منذ الاستقلال ، لكن الفرق الآن هو أن الأرقام المعلنة أرقام حقيقية على عكس أرقام "الزمن البصروي" حيث لم تكن تبارح الأربع تسعات!!... ونحن نقول : بل المغاربة -الآن - أكثر عزوفا بفعل ما راكموه من تجارب مريرة مع أحزاب لم يبق عندها ما تقدمه لهم . كما أنهم قد وعوا أن الضحك على الذقون قد ولى إلى غير رجعة. أما التزوير في عهد البصري ، فلا يختلف اثنان أنه كان السلعة الرائجة التي طالت كل شيء .. الأرقام ، والكراسي ، والأشخاص ، والملابس ، وكل شيء ... ولكن لن يستطيع أحد أن ينكر أن الإقبال على صناديق الاقتراع في السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات كان أكثر بكثير مما هو عليه الآن! لقد كانت الأحزاب المعارضة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ذات مصداقية واعتبار لدى غالبية الشعب المغربي ، بفعل ما كانت تبديه من مقاومة ضد معاقل الفساد وجيوبه ، وبفعل ما كان يعبر عنه مناضلوها من صدق النضال ، وإخلاص التوجه ، وما كانوا يسترخصونه من المال والوقت والنفس في سبيل ما كانوا يؤمنون به من أفكار ، وما يعتقدونه سبلا للحرية والانعتاق. لأجل ذلك كانت الثقة متبادلة بينهم وبين من كانوا يمثلونهم ؛ فكانت الاستجابة من هؤلاء في مستوى هذه الثقة . أما وقد "تورطت" هذه الأحزاب في تسيير الشأن العام ، وفشلت ؛ فلا ننتظر ردا ممن وضع ثقته فيها خَلا فُقْدَان هذه الثقة ، وعزوف لا يشرف أحدا . لقد راهنت السلطة منذ ستينات القرن الماضي على إضعاف الأحزاب السياسية – الوطنية المعارضة خصوصا – وإظهارها في صورة المتعطشة للحكم من أجل الحكم ، الساعية لخلخلة النظام العام ، والمس بأمن المواطنين . فكانت دائمة السعي للإيقاع بها ،ومحاصرتها ؛ بتأليب الرأي العام ضدها ، والزج بمناضليها في غياهب السجون ، أما هي فقد كانت عظيمة العناد ، قوية الشوكة ، لاتستسلم ولا تستكين . مما دفع بالسلطة أن تغير من استراتيجيتها في المواجهة بعد أن وعت أن العصا لا تزيد العناد إلا عنادا ، والمواقف إلا صلابة .فأخذت تقترب من خصوم الأمس ، تطلب الود ، وتبغي المصالحة والسلام في تكتيك يخفي وراءه رغبتها الجامحة في تحقيق نزوات الأمس البعيد يوم كانت الرغبة في احتواء المعارضة ، وتشذيب أجنحتها؛ أسمى أمانيها ، وغاية مراميها! لقد تلبس على ذهاقنة وصناديد أحزاب الكتلة ما كانت تخفيه السلطة من خلف أكِمَّة "التناوب" ، فقبلوا بالعرض ، وانطلقوا إلى حتفهم مسرعين ليقعوا في المصيدة التي نصبت لهم ليصبحوا كراكيز بين أصابعها تحركهم كيف تشاء ولسان حالهم يهتف في جنون :" سمعا وطاعة "سيدتنا" نحن بين يديك اِفعلي بنا ما تشائين ، فلا رادَّ لحكمك فينا ، فليس لنا لا حبيب ولا قريب ، لقد انفلت العير من بين أيدينا وفقدنا كراسينا في النفير ، فلم يبق لنا أحد سواك ، فأنت ولا سواك... !! " وهكذا تمكن الحُكْم في دهاء قل نظيره في العالم أن يدجن سباع المعارضة ، فينقلها من كراسي التهديد والوعيد ، إلى حضيض التلوث بتسيير الشأن العام ،وفق أجندة مرسومة ، وتحت سقف محدد بدقة . فكانت الضربة القاضية من جماهير الشعب المغربي يوم 07شتنبر2007 حين فهم الرسالة ، و طلق السياسة ، وألْقَمَ الساسة الأصفار. [email protected]