يقول ياسوناري كواباتا في الجميلات النائمات : " ربما الخلط بين العادات المتبعة والابقاء على النظام هو الذي يعمل على تمويه معنى الشر " . وذلك بالضبط ما تستفيد منه حركات الإسلام السياسي للتستر على شرها . "" تقتات حركات الإسلام السياسي في المغرب كما حالها في العالم على شيئين رئيسيين : الجوع إلى الدم أي الإرهاب ، وتغييب العقل بشكل مطلق . الأدهى أن النظام المخزني المغربي بسذاجة كرر نفس أخطاء الكثير من الأنظمة في العالم ، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية . إنهم يبدون كما يربون أفاعي في ملابسهم حتى يبتعد عنهم العدو ، ناسين أن تلك الأفاعي ستلسعهم يوما . العمل بمنطق عدو عدوي هو صديقي ليس صائبا دائما ، بل قد يكون عدو عدوي هو عدوي الأخطر . لقد خلقت أمريكا بن لادن وطالبان وزودتهم بكل ما يحتاجون ، وهي اليوم تجني ثمار ذلك في مستنقع أفغانستان ونواحيها . المغرب أيضا ، اعتقد بوهم أنه بمحاربة الحركات الديموقراطية عن طريق حركات إسلام سياسي سيساعده ذلك كثيرا في احتواء الشعب من جهة وضمان إنهاك القوى الديموقراطية والحداثية عن طريق تيارات متشددة . اللعب بالنار ، ذلك ما أقدم عليه تماما . وإن كان قد استيقظ من وهمه بعد أحداث ماي البيضاء الأولى ، وانتباهه أن ثمة خطر حقيقي يقبل مثل كماشة ليعصر جسد الشعب المغربي ويفتت النظام المغربي القائم نحو مستقبل مجهول لا يقل فظاعة عن أفغانستان أو الصومال أو الجزائر . وإن كان لأمس قريب تغمره نشوة الخط الأحمر للأمن الوطني ، فلقد تجاوزت تلك الحركات قواعد اللعبة التي وضعها النظام وبدأت تحاول وضع قواعد جديدة لكي تتقدم قليلا نحو الأمام . وإن كان المخزن قد وقع في فخ تلك الحركات التي نصبته بإحكام حيث جعلت النظام يعتقد أنها أداته الطيعة واللينة كما فعل بن لادن من قبل وآخرين ، في حين كانت الدولة هي أداة للحركة ومصدر قوتها وحمايتها . حيث يضع كل موارده وبنياته في خدمتها ، وكانت تستفيد بسخاء من الدماء الجديدة التي يضخها في عروقها . بل أنها استطاعت أيضا إقناع النظام على هندسة المنظومة التعليمية بشكل يخدم أهدافها الاستراتيجية ، فقد نجحت بشكل كبير في محاصرة تدريس الفلسفة لعقود طويلة لأن استخدام العقل هو العائق الوحيد لتلك الحركات ، وكذا تمكنت من إقناع النظام بتمرير إيديولوجيتها عبر المكونات الأخرى للبرامج الدراسية . وذلك ليس سرا ، وواضح لمن يستعمل القليل من العقل ، ففي الوقت الذي كانت فيه تازمامارت والإختطافات والإغتيالات الغامضة والإعدامات بدون محاكمة ، كان عبد السلام ياسين يعامل كمناضل خمس نجوم من طرف الدولة بشكل يصنع منه بطلا . حيث تم الترويج له بإحالته تارة على مستشفى الأمراض العقلية ، وتارة على الإقامة الجبرية . السؤال البسيط جدا ، لماذا لم يتم اغتياله أو تعذيبه في سجون غير معروفة كما حدث مع الكثيرين ، والأدهى أنه تم تعذيب البعض وتصفيتهم بدون جريمة ضد النظام ، إذ كانوا فقط طلبة أو مراهقين اقتيدوا عن طريق وشاية كاذبة وعن طريق الخطأ . فكيف لم يعامل عبد السلام ياسين بنفس الطريقة وهو من أرسل رسالة إلى الملك ؟؟؟ الأمر واضح جدا ، أتمنى أن يفكر في هذا السؤال البديهي بعض أتباعه الذين يستعملون العقل بعيدا عن الخرافة . ولا أظن أنه من يؤمن ببركات الشيخ الخرافية في القرن الواحد والعشرين قادر على استعمال عقله . إذ يجدون أحيانا ما يبرر هلوسات الشيخ كمسألة القومة التي ربما تسرع في أن يحلم بها . رغم أنني أجد الأمر منطقيا أيضا فهو لم يصل لسنة القومة التي حددها بعد ، وكنت أجيبهم مازحا بأنهم لا داعي أن يقلقوا على قدرة الشيخ في النبوءة لأنه بكل بساطة يحسب بالتاريخ الهجري فهو لا زال يعيش في القرن الخامس عشر، أي عليهم انتظار قرون طويلة أخرى حتى يصل للتاريخ الذي حدده ويتأكدون من نبوءته . إن ما تريده حركة الإسلام السياسي في المغرب هو إقامة نظام طالبان لا غير . نظام يجعل العقل والإنسان عدوه الأول . وكل تلك الشعارات حول الإنفتاح والديموقراطية هي فقط من باب النفاق السياسي الذي يعرف بمفهوم التقية . إنهم تيارات تجتمع على أشياء واضحة هي الإيمان بالعنف والدم والإرهاب . فهم لا يعيرون اهتماما لحقوق الإنسان أو حرية التعبير أو الإختلاف ، إنهم عنيفون ويريدون تحويل أتباعهم إلى مجرمين . إنهم بالمنطق الحديث ديكتاتوريون وتوتاليتاريون وهمجيون ولصوص وقتلة . والنظام المخزني رغم اختلافنا معه في أمور كثيرة ، إلا أنه كان صائبا في قطع العلاقات مع إيران . وأقدم على حل أحد الأحزاب المتشددة ، إلا أن الأمر يجب أن يكون حازما. إذ يجب التعامل بمبادئ واستحضار مصلحة الشعب في التصدي للأحزاب والحركات الإرهابية حتى تلك التي تتستر تحت عباءة نبذها للعنف . سيقول البعض متحججا ، لا . ذلك ليس صحيحا . فالعدالة والتنمية مثلا منخرط في العمل السياسي ولا يؤمن بالعنف . إنه أمر عارض فقط . عندما كنا صغارا وكانوا يريدون استقطابنا ويبدؤون في شرح برامجهم ، كانوا يشرحون لنا الإختلاف بين الإصلاح والتجديد وبين العدل والإحسان على أنهما شيء واحد ، فقط ، إن الإختلاف هو تكتيكي . إذ ، تفضل حركة الإصلاح تغيير قناعات الشعب وتربيته وفق برنامجها لتغير النظام بعد ذلك ، بينما العدل والإحسان يقولون أنهم يريدون تغيير النظام أولا ليتغير الشعب . الجوهر واحد بالنسبة لهم . ثمة دائما هدف واحد هو إقامة الدولة الإسلامية الطالبانية في نظرهم . أي بالمعنى المباشر نظام طالبان مغربي . العدالة والتنمية ولا يستفيض الأمر هنا للحديث عنها ، فهي تضم بشكل عام فيما تضمه مجموعة من الذين يبحثون عن مصالحهم وسرقة الشعب ، وتسييرهم في كل جماعات المغرب يوضح ذلك . ويضحكني أن يهاجم المكتب السياسي للعدالة والتنمية الدولة عندما أوقفوا سياسيا من حزبهم متورطا في السرقة . فهم لم يطردوه ، بل قالوا أنهم مستهدفون . أليس الأمر مضحكا ؟ لم هؤلاء النزيهون جدا لم يطالبوا الدولة بإيقاف كل المختلسين ويشكرونها على مجهودها في فضح من يسرق الشعب ؟ إنهم يدافعون على اللصوص في صفوفهم . وهذا أمر عادي بالنسبة لي وأفهمه لأنني لم أنخدع بلحيهم التي يريدونها أن تكون مرادفا للأخلاق منذ البداية . الأمر ازداد سوءا عندما تورط آخر من العدالة والتنمية في تمارة بعد أسابيع قليلة كصاحبه المكناسي . الامر واضح في كل المدن والشعب يعرف ذلك بالممارسة اليومية وليس بالنظرية ، وليوضحوا لنا جماعة واضحة فقط تمكنوا فيها من القيام بشيء إيجابي لمصلحة المغاربة . وثمة تيار آخر غير انتهازي ، لكنه أفظع . هؤلاء المدافعون عن الإرهاب داخل الحزب . أكيد ثمة مواطنون طيبون لا علاقة لهم بهذا أو ذاك داخل الحزب كما يوجد اناس طيبون في كل الأحزاب . لكنهم لا يعرفون ما يدور حولهم بالضبط بين مطرقة الإنتهازيين وسندان الإرهابيين . أي مجتمع يريدون؟ إنهم يريدون مجتمعا على شاكلة أفغانستان طالبان بلا تلفزيون أو أدب . بلا مسارح أو فن لأنها بنظرهم أعمال الشيطان . إنهم يريدون مجتمعا يحتقر المرأة ويدوس على كرامتها . إنهم يريدون مجتمعا بلا حياة عموما . إنهم بلا مشروع سياسي أو حضاري ، وكل زادهم هو مقولة : لنعمل جميعا من أجل الآخرة ، ولنقتل كل من يخافنا لأنه حليف الشيطان . مهما اختلفت التقسيمات في المغرب لحركات الإسلام السياسي ، بين من أسسوا أحزابا ومن يرون العمل في مؤسسات الدولة بدعة . بين من ينعتون أنفسهم بالمنفتحين وبين من ينعتون بالمتشددين ، بين الحركات الإرهابية وبين من يشتغلون في جمعيات مرخصة من طرف الدولة ، بين من يقولون أنهم يشتغلون بشرعية النظام ، وبين من يقولون أنهم لا يؤمنون بنظام فاسد أخلاقيا ... كل هؤلاء أشكال مختلفة لجوهر واحد ، التوليتارية والديكتاتورية والإرهاب والتخلف الفكري والحضاري . يعزفون دائما على وتر أنهم مظلومون من طرف الدولة ، وأنهم مستهدفون في إطار مؤامرة صهيونية عالمية . في حين أنهم هم من يتورط كل يوم في أنحاء العالم في الإعداد لعمليات إرهابية يذهب ضحيتها فقط الضعفاء والبسطاء من الشعب . يرددون دائما أغنية أن العالم كله متحامل عليهم وكل شيء يحصل في السياسة الدولية إلا ويكون في إطار الصراع بين المسلمين والكفار . وكأنهم هم محور العالم ، في حين أن العرب والمسلمون اليوم يعيشون خارج التاريخ ، وثمة صراعات حضارية بطبيعة أخرى ، وكأن أمريكا تترك الصين وروسيا ودول اسيا التي تزحف بنموها الديموغرافي والاقتصادي نحو المقدمة وتجلس لتحسب حسابات الدول العربية . نعم ، إن الغرب ونحن أيضا قلقون من الإرهاب لأن هؤلاء الإرهابيون لا يدافعون سوى على القتل . وكلنا قلقون من هذا الفكر المتخلف الذي يهاجم شعوبهم ويهاجم كل مظاهر الحياة . إن هؤلاء الإرهابيون خطر على الحياة أكثر من خطرهم على الغرب وحسب . إن خطر حركات الإسلام السياسي لا يكمن في أنها قادمة بحضارة تهدد أمن العالم ، ولكن المشكل أنها قادمة بالموت والقتل والدم . لا لشيء ، سوى لتدمير البشرية والعقل . وربما قد بدى ذلك واضحا في أفغانستان . وفي إيران . وفي الصومال وغيرها ... ولقد أثبت التاريخ أيضا أن كل تلك الحركات التي حاولت تسويق نفسها على أنها سلمية وسياسية ، سرعان ما تنقلب إلى حركات أشد عنفا وإيمانا بالدموية عندما تتمكن من السيطرة على الأمور وعندما تعرف ان بإمكانها قلب المعادلات القائمة . سيقول البعض كما العادة أن كل من يقدم تصورا مخالفا أنه عميل لأمريكا والغرب وأنه ضد الإسلام بدون تحليل عقلاني . سيقولون أننا نتشبه بالغرب دون وعي وكأنهم يعرفون الوعي والعقل . إذ آخر شيء يرتبط بحركات الاسلام السياسي هو العقل . فكل من يدافع عن حقوق الإنسان هو عميل للغرب بدون دليل . وكل من يقدم رؤية تحترم الشواذ ينعتونه بالشاذ بدون دليل ، وكل من يدافع عن حقوق المرأة هو عدو الله بدون دليل أيضا . تلك اخلاقهم . لا يملكون غير التهم المجانية التي تدل على أنهم لا يستخدمون عقولهم . كما لا يتورعون أحيانا أن يفقدوا صوابهم ويبرزوا العنف الدموي وإيمانهم بالبربرية بدل المحاججة في ظل اختلاف الرأي. نعم . يمكن لحركات الإسلام السياسي أن تنعتنا بعملاء الغرب وتشتمنا بأقبح الشتائم لأننا نقدم وجهة نظرنا في الأمور بحرية ، وبدون خوف لا من النظام المخزني أو منهم . ولن تكمم أفواهنا بقناعاتهم الإرهابية والتوتاليتارية . لكن ، هم أيضا عليهم أن يعرفوا أنهم بوجهة نظرنا - وليست بوجهة غربية – أنهم إرهابيون ومتوحشون ومجانين . [email protected]