لنفترض أيها القراء الأعزاء أن مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير تقف وراءها خلفيات سياسية تحركها أياد غربية في الخفاء. فهل يجوز لنا أن نقف ضد هذه المذكرة ونطالب بترك عمر البشير رغم أن هناك أدلة تثبت تورطه في جرائم دارڤور؟ "" شخصيا أقول لا. أولا لأن شعوب العالم العربي لا حول لها ولا قوة، ولا تستطيع أن تفعل شيئا حيال هذه الطواغيت الذين يبسطون سيطرتهم على هذا الوطن الغارق في الظلام، لذلك يجب علينا أن نعترف بأن رياح التغيير إذا لم تهب علينا من الغرب فمن المستحيل أن تأتينا من الشرق! والجميع يعرف جيدا أن هذا التغيير الذي يشهده العالم العربي اليوم، وإن كان يتم بوتيرة بطيئة للغاية، جاء إثر الرياح التي هبت علينا من واشنطن، بعد أحداث الحادي عشر سپتمبر. ثانيا، أنا لا يهمني أن يكون الرئيس السوداني أو غيره واحدا من قادة "الممانعة" وعدوا لدودا لأمريكا كي أقف بجانبه. فالذي يهمني كمواطن عادي هو الشعب السوداني وليس السيد الرئيس، فليس ما ينقصنا هو الرؤساء، وإنما الذي ينقصنا هو من يعطي لهذه الشعوب حريتها وحقوقها وكرامتها. لذلك لا يحق لنا أن نتخذ تلك العبارة المريضة التي تقول: «عدو عدوي صديقي» ذريعة لمساندة الظالمين. عدو عدوي لا يمكن أن يكون صديقي وهو ظالم في حقي! بالله عليكم، والكلام هنا موجه إلى الذين يرفضون محاكمة البشير، كيف تجرؤون على مناصرة هذا الأخير، كما ناصرتم قبله صدام حسين، وكما تنصرون اليوم بشار الأسد، وفي نفس الآن تكرهون حسني مبارك ومعمر القذافي وغيرهم من قادة "محور الاعتدال العربي"، رغم أنكم تعرفون جيدا أن الفرق الوحيد بين هؤلاء هو أن صنفا منهم يعارض أمريكا والصنف الثاني متوافق معها، في الوقت الذي يعاملون شعوبهم كقطيع من البهائم. فماذا سيفيدني أنا أن يكون أحدهم ضد أمريكا ويعاملني كبهيمة. إذا كنت سأرضى لنفسي أن يرفسني هؤلاء بأحذيتهم المتعفنة وأناصرهم فقط كي أرفع أصبعي الوسطى في وجه أمريكا وأنا منبطح على بطني، فليزدني الله ذلا على ذل! لقد لا حظتم قبل يومين فقط كيف استطاع شقيق الصحافي العراقي منتظر الزايدي الذي رشق الرئيس الأمريكي الأسبق بحذائه أن يتحدث أمام الصحافيين عن "فساد القضاء العراقي وعدم نزاهته"، بعدما حوكم شقيقه بثلاث سنوات حبسا في الطور الابتدائي، (وهو الحكم الذي أرفضه شخصيا، لأن الزايدي، وإن كنت لا أتفق مع ما قام به، إلا أنه لا يستحق أن يحاكم بالسجن ولو ليوم واحد) وكان رجال الأمن العراقين خلفه يستمعون إلى ما يقول. ترى هل كان هذا الشاب سيتحدث بهذه الصراحة والحرية لو كان صدام حسين هو الذي يحكم العراق اليوم؟ مستحيل. إنها إذن حقيقة مرة لا يريد الكثيرون مع الأسف أن يعترفوا بها. أنا أيضا ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، لأنني أعرف جيدا أن ما يهم أمريكا أولا وأخيرا هو مصالحها الخاصة وليس مصلحة الشعب العراقي، وأكبر من فهم هذه اللعبة جيدا هو الرئيس الأسطورة معمر القذافي الذي بمجرد ما أحس باللهب يقترب منه حتى خرّ على ركبتيه وقال لأمريكا لبّيك. قبل أن يسلم لها خردته النووية ويدفع خمسة ملايير دولار كاملة ثمنا لإسقاط طائرة الپانام فوق بلدة لوكربي. وها هو الآن يعيش هانئا مطمئنا، بينما الشعب الليبي يعيش تحت وطأة نفس القهر والديكتاتورية المستمدة قوانينها من "الكتاب الأخضر". لنتفق إذن على أننا نكره أمريكا، ونكره سياستها الخارجية، ونكره تدخلها في شؤوننا الداخلية. لكن ماذا يمكننا أن نصنع لكي نرتقي ببلداننا حتى ننعم بقليل من الديمقراطية، ولو كتلك التي توجد في السينگال أو مالي؟ هذا هو السؤال، أما عدو عدوي فلن يكون أبدا صديقي، ما دام هذا العدو يريد أن أنحني على حذائه المتعفن كي أقبله مثل عبد بلا كرامة. إيوا هي نخليو العدالة الدولية تاخذ الحق في كل من سولت له نفسه الخروج عن القانون، وإلا فما علينا سوى أن ننتظر انعقاد محكمة العدل الكبرى يوم القيامة!