ظل الصحفي المغربي إلى عهد قريب يتمتع بقسط من المصداقية ، خلافا للنهاية المأساوية ل"المثقف" و"السياسي" ، في ضرب مشهود له لكل المقولات التي تتنبأ بنهاية الزمن المغربي ... إلا أنه يبدو أن عصر النهايات المغربي امتد هذه المرة إلى الإعلام ، فبعد نهاية الثقافة ونهاية السياسة ، أصبح جائزا أن نتحدث عن نهاية الإعلام المغربي أو على الأقل بداية نهايته . "" فما يدعوك لتأكيد الفرضية الآنفة وأنت تقتني نسخة من نسخ جريدة " أخبار اليوم " أن مؤسسها ومدير نشرها توفيق بوعشرين -رئيس التحرير السابق بالمساء- قام باستقطاب صحفيي هذه الجريدة ، لدرجة يخيل إليك أن الأمر يتعلق بتغيير عناوين ليس إلا .
لست هنا بصدد الوقوع في شرك محاكمة النوايا ، إلا أن الأكيد كون توقيت تأسيس الجريدة وتزامنها مع حكم قاس ضد جريدة المساء يطرح أكثر من علامات استفهام وتعجب وقس على ذلك ...
يتوجب علينا أن نعود قليلا للوراء ، وبالضبط إلى الفترة التي قدم فيها أنوزلا استقالته من المساء وذهب لتأسيس "الجريدة الأولى".فحينها لا أحد اعترض أو أبدى استغرابه وشجبه ، لأنه ببساطة ، قد اختار التوقيت المناسب . فكانت استقالته من جريدة المساء بلاغا مبينا .
أما والحالة هاته ، فإن زعم بوعشرين وحوارييه من معشر الصحفيين المستقلين بتراجع الخط التحريري للمساء وديكتاتورية رشيد نيني مردود على أهله ، وغير مقبول .كما أن الصحافة التي تعطي الدروس للآخرين في ضرورة التقيد بالنزاهة والموضوعية والشفافية والإخلاص لا يجب عليها أن تقع فيما حذر الشاعر من الوقوع فيه حينما قال : لا تنهى عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
فالصحفي ظل ينتقد ظاهرة تفريخ الأحزاب وانتشار الكم وتراجع الكيف ، وأقام الدنيا ولم يقعدها بسبب ترحال البرلمانيين أو ما يوصف بالسياحة البرلمانية ... لكنه بالمقابل أصابه مرض حب العظمة ، فتفرخت الصحف ، ولم يؤثلا ذلك على الكيف . وقام بممارسة السياحة الإعلامية مثل نظيرتها البرلمانية ، أوليس هذا الانفصام بعينه ؟ فمن يؤمن بتلك الصحافة إن كانت أول من يلعب خلف الكواليس وقاتل الميت الذي يمشي في جنازته .
واقع الصحافة المكتوبة بالمغرب مأزوم ومعرض للانهيار واندثار رأسمالها الرمزي في صناعة الرأي العام ونقل المعلومة والخبر والرأي إليه ، فأي صحافة هاته التي عوض أن تحارب الرشوة والمحسوبية والزبونية والفساد ... فضلت محاربة بعضها البعض وكل بما لديهم فرحون . إذ اعتادت مسامعنا على سماع أخبار الانشقاقات الصحفية والدعاوي القضائية والقذف والتشهير بين أبناء القبيلة الإعلامية الواحدة ...
وتبقى ، الصحافة بالمغرب ، سواء منها المرئية أو المسموعة أو المكتوبة ، بحاجة إلى ضخ دماء جديدة فيها كي لا يتجاوزها التاريخ المغربي كما تجاوز المثقف والسياسي ، وبوادر ذلك بدأت تلوح في الأفق ، فليدرك المعنيين بالأمر نبل رسالتهم قبل فوات الأوان وقبيل انتقال الصحافة إلى سخافة .