شابت التظاهرات المنظمة في إطار تعبئة مستمرة منذ شهرين في فرنسا، احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد، أعمال شغب ترافقت مع ممارسات عنيفة للشرطة في الأيام الأخيرة، على ما أفادت منظمات عدة للدفاع عن حقوق الإنسان. ووجهت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا دنيا مياتوفيتش الاتهام نفسه، وقالت: "أعمال العنف المتفرقة لبعض المتظاهرين، أو أفعال أخرى مدانة ارتكبها آخرون خلال تظاهرة، لا تبرر الاستخدام المفرط للقوة من قبل عناصر تابعة للدولة. هذه الأعمال لا تكفي كذلك لحرمان متظاهرين سلميين من التمتع بحرية التجمع". في المقابل، اعتمدت المنظمات غير الحكومية لهجة لاذعة أكثر؛ فقال رئيس رابطة حقوق الإنسان باتريك بودوان: "الانجراف الاستبدادي للدولة الفرنسية وإضفاء الطابع العنيف على العلاقات بواسطة الشرطة وأعمال العنف، بكل أنواعها، والإفلات من العقاب، تشكل كلها فضيحة مدوية". واتهمت الرابطة السلطات ب"المساس بحق المواطنين في الاحتجاج من خلال الاستخدام غير المتناسب والخطر للقوة". وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش، من جهتها، "الاحتواء التعسفي للحشود وتكتيكات مكافحة الشغب". "بلاك بلوك" رأى وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، أن الشرطة اكتفت بالتحرك لمواجهة "المنحى المتطرف الذي سلكه المخربون، المنضوون في صفوف اليسار المتطرف، الذين يندسون بين المتظاهرين لإثارة أعمال شغب". وقالت السلطات إن نحو 1500 "مخرب" أعضاء في ما تسمى "بلاك بلوك"، وهي "مجموعات مخربين متطرفة، اندسوا ضمن موكب الاحتجاج في باريس يوم الخميس الماضي". وأعلنت "إصابة 441 شرطيا ودركيا بجروح خلال تظاهرات، الخميس :في كل أرجاء فرنسا". وأشار الوزير إلى أن 11 تحقيقا بوشر في حق عناصر في الشرطة، وأوضح: "قد يكون أفراد في الشرطة أو الدرك، غالبا ما يشعرون بالإنهاك، ارتكبوا على صعيد فردي ممارسات قد تتعارض مع ما تعلّموه"، مشددا في الوقت ذاته على "العمل الرائع للقوى الأمنية في تجنب وقوع أي قتيل". وأوقف أكثر من 450 شخصا خلال يوم التظاهرات الأعنف منذ بدء حركة الاحتجاج على إصلاح نظام التقاعد؛ الذي يرفع سن الإحالة على المعاش من 62 إلى 64 عاما. ومنذ تمرير المشروع من دون تصويت في البرلمان، الأسبوع الماضي، تنتشر أشرطة مصورة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر عناصر من الشرطة الفرنسية تدفع متظاهرين أو تنهال عليهم بالضرب. إصابات خطرة قالت بينيديكت جانرو، مديرة هيومن رايتش ووتش في فرنسا: "يبدو أن السلطات الفرنسية لم تستخلص العبر ولم تراجع سياساتها وممارساتها في احتواء الحشود" منذ تظاهرات السترات الصفراء في 2018 و2019 التي يقارن التحرك الحالي بها. وفتحت النيابة العامة في باريس ثلاثة تحقيقات بشبهة العنف من جانب شخص يتمتع بسلطة رسمية في الفترة الأخيرة، على ما أفاد مصدر مطلع على الملف. وبوشر أحد هذه التحقيقات في 14 مارس الجاري، بعدما تقدمت والدة تلميذة في مدرسة ثانوية تدعى "فاني"، وتبلغ 15 عاما، بشكاية بعدما أصيبت على جبهتها بشظية يرجح أنها ناجمة عن إلقاء الشرطة قنبلة لإبعاد المتظاهرين. وجاء في الشكاية، التي اطلعت وكالة فرانس برس على نصها، أن شرطيين اثنين ضرباها بهراوة عندما كانت على الأرض. وتتعلق شكاية أخرى بلكمة سددها شرطي إلى وجه متظاهر، مساء الإثنين الماضي في باريس، وصورت في شريط انتشر بكثافة عبر الإنترنت. وتفيد تقارير لمجموعات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان بأن الشرطة قد تكون تسببت في إلحاق إصابة برجل، ما اضطر الأطباء إلى بتر إحدى خصيتيه. وقال قائد شرطة باريس لوران نونيز، خلال الأسبوع الحالي، إن القوات العمومية "لا تتدخل إلا عند تشكل مجموعات بنية ارتكاب أعمال عنف".