يعتبر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي ينهي رسميا ولايته الثالثة أبريل القادم، أكثر رؤساء البلاد تعميرا في المنصب منذ الاستقلال بعد أن قضى قرابة 15 عاما في "قصر المرادية" الرئاسي. وأصدر بوتفليقة (77 عاما) الجمعة، مرسوما حدّد بموجبه موعد انتخابات الرئاسة القادمة في 17 أبريل القادم، لتكون خامس انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد ستشهد انتخاب خليفة له أو التجديد له لولاية رابعة. ولم يعلن بوتفليقة - حتى اليوم - ترشحه لولاية رابعة رغم ترشيحه رسمياً من قبل حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم الذي يرأسه شرفيا منذ عام 2005، إلى جانب إعلان أحزاب ومنظمات أخرى دعمها لاستمراره في السلطة. ومع انقضاء ولايته الثالثة يكون عبد العزيز بوتفليقة، الذي وصل السلطة عام 1999، أكثر الرؤساء مكوثا في الحكم منذ استقلال البلاد عام 1962، فضلا عن أنه رئيس الدولة الوحيد في البلاد الذي استطاع إكمال ولاياته الدستورية بشكل طبيعي، عكس سابقيه الذين تراوح مصيرهم بين الإزاحة، الوفاة، الاغتيال، الإقالة والمغادرة الإرادية. وبدأ بوتفليقة ولايته الأولى عام 1999، ثم أعيد انتخابه في 2004 لولاية رئاسية ثانية، وفي العام 2009 بدأ ولايته الثالثة في انتظار حسمه موقفه من الترشح لولاية رابعة حيث يمنحه الدستور الحق في الترشح لفترات رئاسية غير محدودة. وقاوم الرئيس الجزائري، طيلة السنوات الخمسة عشر التي حكم فيها البلاد، عدة هزات سياسية نجح في تخطيها في بلد خرجت لتوها من أزمة أمنية خطيرة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا والمشردين والمفقودين. كما قاوم الرجل متاعب صحية - رغم أن المرض أنهكه خلال الأشهر الأخيرة - وجعل هذا "السياسي المحنك"، كما يوصف من مؤيديه ومعارضيه، قليل الظهور في الواجهة. وتعرض بوتفليقة في 27 أبريل الماضي لجلطة دماغية سميت رسميا "نوبة إقفارية عابرة" نقل على إثرها للعلاج بفرنسا وهي الوعكة الصحية الثانية التي ألمت به في فترة حكمه بعد تلك التي أدخلته المستشفى الباريسي عام 2005 إثر إصابته ب "قرحة معدية" لينجو بأعجوبة من الموت، كما صرح هو شخصيا. وتداول على الحكم في الجزائر منذ استقلالها عام 1962 ثمانية رؤساء بين مؤقت ومنتخب بداية بالرئيس الراحل أحمد بن بلة (1916 – 2012) الذي وصل الحكم في سبتمبر/أيلول 1962 كأول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة وتم إسقاطه في انقلاب عسكري في 19 يونيو 1965 من قبل وزير دفاعه هواري بومدين (1932/ 1978) الذي حكم البلاد حتى 27 ديسمبر حيث توفي إثر مرض غامض لم تكشف أسبابه بعد لتنتهي فترة حكمه للبلاد في عتبة 13 سنة (1965/ 1978). وعادت الرئاسة في الجزائر بعد وفاة الراحل بومدين إلى رئيس البرلمان رابح بيطاط بشكل مؤقت حتى 9 فبراير/شباط 1979 حينما اختير الشاذلي بن جديد (1929- 2012) من قبل الحزب الواحد الحاكم (جبهة التحرير الوطني) والمؤسسة العسكرية ليحكم البلاد حتى 11 يناير/كانون الثاني 1992 حينما أجبر على الاستقالة من قبل قادة الجيش بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية، وتدخل العسكر لإلغاء نتائج الانتخابات ودخلت البلاد بعدها في أزمة أمنية وسياسية. وكانت هذه المحطة بمثابة إشارة توقف لمسيرة رئاسة الشاذلي بن جديد للبلاد والتي دامت هي الأخرى 13 سنة (1979- 1992). وخلف الراحل بن جديد في الرئاسة محمد بوضياف في 16 يناير 1992 حتى 29 يونيو 1992 حينما اغتيل بمدينة عنابة شرق الجزائر من قبل أحد حراسه الشخصيين خلال إلقائه خطابا أمام مسؤولين. واستعان المجلس الأعلى للدولة، الذي كان يسير البلاد في ظل فراغ مؤسساتي آنذاك، بعلي كافي لقيادة البلاد في 2 يوليو/تموز 1992 حتى 31 يناير/كانون الثاني 1994 حينما تمت الاستعانة باليامين زروال، وهو جنرال في الجيش لحكم البلاد، في عز الأزمة الأمنية حيث مكث في الحكم حتى نهاية 1998 ولمدة لم تتجاوز الأربع سنوات ليعلن استقالته وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وصل من خلالها الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم في 27 أبريل 1999. وكان الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين أكثر من مكث في كرسي الرئاسة قبل بوتفليقة، حيث تولى الحكم لمدة 13 سنة و6 أشهر و8 أيام. وحطم الرئيس الحالي هذا الرقم القياسي في الحكم في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2012 ليصبح حاليا أول رئيس يعمر في "قصر المرادية" (اسم قصر الرئاسة بالجزائر) لفترة قاربت الخمسة عشر سنة. وعدّل بوتفليقة عام 2008 دستور البلاد بشكل سمح له بالترشح لولاية ثالثة حيث كانت الولاية الرئاسية محددة في عهده بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط لتصبح مفتوحة للتجديد عدة مرات. وألمح بوتفليقة، في خطاب له في 8 مايو 2012، عشية الانتخابات النيابية، إلى نيته عدم الترشح لولاية رئاسية رابعة عندما استعمل العبارة الشعبية "طاب جناني" والتي تعني أنه لم يعد قادرًا على الحكم مجددًا، ما فتح باب التكهنات حول الشخص الذي سيخلفه. لكن الرجل - بعد عودته من رحلة العلاج بفرنسا شهر يوليو الماضي - أصدر سلسلة قرارات هامة تضمنت إجراء تعديل حكومي كبير مس وزارات سيادية كالداخلية، والخارجية، والعدل والإعلام حيث جاء على رأسها أشخاص موالون له، إلى جانب تغييرات داخل المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات القوي وكذا تغييرات بمحافظي الولايات . وفُسّرت هذه القرارات، من قبل المعارضة، إلى جانب الجولات عبر المحافظات التي قام بها رئيس الوزراء عبد المالك سلال، خلال الفترة الماضية، للإشادة ب"إنجازات الرئيس"، على أنها خطوات "تمهد لترشح بوتفليقة لولاية رابعة خلال انتخابات أبريل القادم". وقال بوتفليقة، عند وصوله الحكم العام 1999، إنه سيركز على ملفين الأول عودة البلاد على الساحة الدولية بعد أزمة داخلية دامية طيلة تسعينيات القرنالماضي، والثاني هو مشروع المصالحة الوطنية لوقف العنف والذي تضمن عفوًا عن المسلحين في الجبال مقابل تخليهم عن العنف المسلح ضد النظام وتم تسجيل عودة الآلاف منهم إلى المجتمع. كما أطلق مشاريع ضخمة للبنى التحية تمول من العائدات الكبيرة للبترول والغاز. وترى المعارضة أن فترة حكم بوتفليقة "فاشلة" كونها عرفت تضييقا غير مسبوق على الحريات واستشراء الفساد والرشوة في مفاصل الدولة إلى جانب "فشله" في وضع حد لتبعية الاقتصاد القومي لعائدات المحروقات بنسبة 98 بالمائة، فيما يؤكد مؤيدوه أنه نجح في العبور بالبلاد إلى بر الأمان بعد أزمة أمنية خطيرة وحرك عجلة الاقتصاد، كما أعاد الجزائر بقوة إلى الساحة الدولية. وقال بوتفليقة، في حوار مع صحيفة "لوموند" الفرنسية في يوليو العام قبل الماضي، إن "التاريخ والشعب الجزائري وحدهما سيحكمان على الجهود التي بذلت لعودة السلم الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وعودة الجزائر إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم". وتابع أن "عودة السلم الوطني الضروري لأي استقرار سياسي واجتماعي يمكن اعتباره إنجازًا يفتخر به كل جزائري". وأطلق بوتفليقة مطلع العام قبل الماضي "حزمة إصلاحات" شملت قوانين الانتخابات، الأحزاب، الجمعيات والإعلام لمواجهة موجة الربيع العربي الذي قال في عدة مناسبات أنها "ديمقراطية مستوردة" و"فيها ما يقال"، كما اعتبر أن الجزائر استثناء فيه. *وكالة أنباء الأناضول