عندما بدأ مستخدمون للإنترنت يتداولون تغريدات قديمة وتسجيلات فيديو محرجة للحكومة إثر الزلزال المدمّر الذي وقع الأسبوع الماضي، أيقن مسؤولون أتراك أن لا شيء يمكن حذفه على الشبكة أو نسيانه. ففي أحد تسجيلات الفيديو، يرحّب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بقانون صدر في العام 2018 يعفي من العقاب مخالفي قواعد السلامة في نحو ستة ملايين مبنى. في تسجيل التُقط خلال تجمعات حاشدة في هاتاي وكهرمان وملطية، وهي مناطق تضرّرت بشدة من جراء الكارثة التي وقعت في السادس من فبراير، تفاخر إردوغان بأنه "حل المشكلة" بما يمكّن السكان من البقاء في منازلهم. على مدى عقدين من الحكم، استندت شعبية إردوغان إلى قدرته على إيجاد طبقة وسطى جديدة وعصرية، وعلى توفير مساكن بتكاليف في المتناول في منطقة تعاني من نقص في التنمية. لكن تلك التصريحات تبدو حاليا غير صائبة، على الرغم من ترحيب من حصلوا على تسويات بها. يقول خبراء إن عدم التزام متعهّدين بمعايير البناء في منطقة عرضة للزلازل، يفسّر ارتفاع حصيلة القتلى، علما بأن الحصيلة المؤقتة لقتلى الزلزال في تركيا تخطّت 38 ألف قتيل، وناهزت 3700 قتيل في سوريا. وجاء في تغريدة أطلقها إردوغان في العام 2013 وكان حينها رئيسا للوزراء: "المباني تقتل الناس وليس الزلازل. علينا أن نتعلّم العيش مع الزلازل... واتّخاذ تدابير وفقا لذلك". إتلاف الأرشيف في تسجيل فيديو آخر يعود إلى العام 2011، يوضح وزير المالية الأسبق، محمد شيمشك، أن مداخيل "ضريبة الزلازل" التي فرضت بعد زلزال 1999 الذي أسفر عن نحو 17 ألف قتيل في شمال غرب تركيا، استخدمت لتغطية تكاليف شق طرق وبناء مستشفيات. وكانت الضريبة قد فرضت لتهيئة المدن لكي تصبح أكثر مقاومة للزلازل. على "تويتر" ومنذ وقوع الزلزال، نشر حساب ArsivUnutmaz@، ولديه 720 ألف متابع، أكثر من 50 محتوى بين تسجيلات فيديو وصور وتعليقات قديمة. وتم تداول الكثير منها عشرات آلاف المرات، وحصدت ملايين المشاهدات. وقال أستاذ الاتصالات في جامعة بيلجي في اسطنبول، سارفان أوزون أوغلو: "أنشئ الكثير من الحسابات المماثلة منذ منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، لأن الحكومة حاولت على إثر محاولة الانقلاب في العام 2016 إعادة ضبط الذاكرة الجماعية". وأشار أوزون أوغلو إلى أنه على إثر حملة قمع لوسائل الإعلام "أتلفت صحف أرشيفها لحذف بعض من الكلمات التي استخدمتها في الماضي وباتت حاليا تعتبرها غير مناسبة". وشن إردوغان حملة قمع كبرى إثر المحاولة الانقلابية التي شهدتها البلاد في العام 2016، ووضع غالبية وسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة وشركات الأعمال المتحالفة معها. ونشرت وسائل إعلام معارضة ومستقلة مشاهد وتقارير مضرة بالحكومة، لكن هذه المحتويات لم تصل يوما إلى نشرات الأخبار المتلفزة التركية. وعمدت القنوات الرئيسية إلى بث حلقة مستمرة من اللقطات لعمليات الإنقاذ في الأيام العشرة الأولى. تقويض النقاد قال أوزون أوغلو إن هذا الأمر مردّه إلى الرقابة الذاتية. في أكتوبر، أقرت تركيا قانونا يعاقب على نشر "الأخبار المضللة" بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. بحسب تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، احتلت تركيا في العام 2022 المرتبة 149 من أصل 180 بلدا. وتقول المنظمة: "(في تركيا) يتم استخدام كل الوسائل الممكنة لتقويض النقاد". لكن ليس من السهل على المسؤولين منع المستخدمين من تداول صور من الأرشيف. بحسب أوزون أوغلو: "هذه الأنواع من الحسابات يمكن إنشاؤها مرارا وتكرارا"، معربا عن اعتقاده بأن معارضين لإردوغان، بمن فيهم متواجدون في المنفى، يتولون إمداد هذه الحسابات بالمحتوى. ويُظهر تسجيل فيديو يعود إلى العام 2019 وزير الداخلية، سليمان صويلو، يشرف على تدريب على محاكاة للزلزال لسكان كهرمان مرعش. ويظهر في إحدى لقطات التسجيل مبنى متضرر قرب لافتة كتب عليها "فندق سافرون". لكن المحاكاة تحوّلت إلى واقع، إذ انهار في كهرمان مرعش في زلزال السادس من فبراير فندق مؤلف من ثماني طبقات يحمل اسم "سافرون".